هاوي كتابة
معاذ الشحمه
الجدل والنقاش والحوار
النقاش هو عبارة عن حوار صحي بين أكثر من طرف حول موضوع أو أكثر بغض النظر عن الاتفاق في وجهات النظر، ولكن ما يجمعهم هو محاولة الوصول إلى الحقيقة، أو حتى مجرد الحوار في حد ذاته كما يعرفها الدكتور إيهاب فكري في كتابه فن الكلام. في حين أن الجدل يكون عادة بين طرفين أو أكثر، بشكل فيه حدة وهجوم من طرف على آخر، فالغرض في مجتمعنا لا يكون عادة لإظهار الحقيقة في أي موضوع، ولكن عادة يكون الجدل لإظهار شخص على آخر، أو لإظهار رأي على آخر. ومن الصفات التي تميز بين الجدل والنقاش كما عرفها الدكتور إيهاب فكري هي المقابلة، فإذا وجدنا أنفسنا نقابل كل ما يقوله الطرف الآخر، ونذكر عكس ما يقوله بشكل مباشر، نعرف حينها أننا في طريق الجدل وليس النقاش، فلا بد من تغيير النغمة كما يقال في اللغة العامية، لابد من البحث فوراً عن أي نقطة للاتفاق بين ما نراه وبين رأي الطرف الآخر، ومنها رفع الصوت، وسرعة الرد، وكثرة مقاطعة المتكلم، وتوجيه النقد لشخص المتكلم. إن الجدل آفة، والمجادل في حقيقة الأمر ظالم لنفسه، لأنه عادة ما يكون غير متميز اجتماعياً نتيجة كثرة جداله مع الناس، وما يستوجب هذا الجدل من أحقاد وضغائن، فينال منه العدو ويهرب منه الصديق. في حين أن الذي يشترك مع مجتمعه في نقاشات كثيرة حتى وإن كانت معقدة ومثيرة، تجده غالباً مرحب به في كافة الجلسات على مختلف أشكالها وأنواعها، حيث إنه يثري هذه الجلسات بمناقشاته مع المشاركين في هذه الجلسة، فيتكلم ويسكت ليعطي الفرصة لغيره، ويعترض في أدب، فلا يجرح أو يهاجم شخص المتكلم، بل على العكس، يجتهد في البحث عن نقاط الاتفاق حتى يبني الثقة بينه وبين الطرف الآخر، فيسهل عليه مناقشة نقاط الاختلاف بشكل موضوعي وحيادي. وكما يقول البروفسور طارق الحبيب في كتابه كيف تحاور، فالحوار والجدل يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين، لكنهما يفترقان بعد ذلك، فالجدل هو اللدد في الخصومة وما يتصل بذلك، ولكن في إطار التخاصم في الكلام، والجدال والمجادلة والجدل كل ذلك ينحي منحى الخصومة أو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له، أما الحوار والمحاورة فهي مراجعة الكلام والحديث بين طرفين دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة. ويدل على ذلك قوله تعالى: "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق" سورة غافر الآية 5. وقوله سبحانه: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" سورة لقمان الآية 20. وفي اللغة تسمى شدة الفتل جدلاً، والجديل الزمام المجدول من آدم، ومنه قول امرؤ القيس: وكشح لطيف كالجديل مخصراً وساق كأنبوب السقي المذلل وكما جاء في لسان العرب لابن المنظور أن الجادل من الإبل الذي قوي ومشى مع أمه، والأجدل الصقر، ورجل جدل إذا كان قوياً في الخصام. وكما جاء في تعريفات الجرجاني بأن الجدل اصطلاحاً هو دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة. وقد وردت مادة الجدال في القرآن الكريم في تسعة وعشرين موضعاً، كلها جاءت بمعنى الخصومة إلا في أربعة مواضع: "فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن ابراهيم لحليم أواه منيب" سورة هود الآية 74 – 75. "وجادلهم بالتي هي أحسن" سورة النحل الآية 125. "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" سورة العنكبوت الآية 46. "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" سورة المجادلة الآية 1. فالجدل لم يؤمر ولم يمدح في القرآن على الإطلاق، بل جاء مقيداً بلفظ الحسنى في الموضعين الثاني والثالث، مجرداً منها في الموضعين الأول والرابع، وخلاصة القول إن كل جدل هو حوار وليس كل حوار جدلاً، لكن ربما تحول الحوار إلى جدل، وقد يجتمعان كما صدر في سورة المجادلة. وقد ورد في التعريفات للجرجاني بأن للمناظرة معنيان إما النظير أو النظر بالبصيرة، واصطلاحاً كما ورد في لسان العرب لابن المنظور، فإما أن يكون ناظرت فلاناً أي صرت نظيراً له في المخاطبة، أو النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب، ولذا فإن المناظرة في أصلها محمودة. فالحوار هو السحر الحلال الذي يفتن عقول الناس ويأسر أفئدتهم كما يقول البروفسور طارق الحبيب. وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة" متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطيه على العنف وما لا يعطي على سواه" أخرجه أبو داوود وابن حبان. ومن آداب الحوار كما يقول البروفسور طارق الحبيب طلب الحق، واختلاف الآراء طبيعة بشرية، وحسن البيان، والظرف المناسب، ولا تستأثر بالحديث، وكن مستمعاً بارعاً، ولا تقاطع، وابدأ بنقاط الاتفاق، وافهم من أمامك، وحادثه باسمه، ولا تغضب، واعترف بالخطأ، واغضض من صوتك، واحترم الطرف الآخر، ولا تستطرد، ولا تخطّئ، ولا تتعصب. ففرق بين الجدل المذموم والنقاش والحوار حتى تكسب القلوب وتسحر العقول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف