هاوي كتابة
حسن الهاشمي
قمة أنقرة .. والأصبع على الزناد في إدلب
قمَّة أنقرة .. والأصبع على الزناد في إدلب بقلم : حسن الهاشمي (سوريا) انتهى اللقاء الثلاثي بين زعماء كل من روسيا وتركيا وإيران, المنعقد في أنقرة, منتصف شهر سبتمبر الحالي, بدون مفاجئات أو خرق حقيقي لمخرجات القمم السابقة. وكان مُلخّص القمة بالإعلان - كما كان متوقعاً - عن الحرص على وحدة الأراضي السورية وسيادتها, وضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب. إلّا أنَّ الإعلان عن إتمام تشكيل اللجنة الدستورية، شكّل فارقًا جوهريًا في هذه القمة. ومع أننا نتحفظ على كثير من تفاصيل اللجنة المذكورة, فإننا نعتبرُ إنجازها خطوة في المسار الصحيح, وإن كانت خطوة منقوصة, على اعتبار أن اللجنة استبعدت مناطق ومكوِّناتٍ عديدةٍ, وخاصَّة في شمال وشرق سوريا. كما أنَّ تركيبة اللجنة مبنيّة على نظام المحاصصة الثلاثية, ما يعني قدرة أيَّ ثلثٍ منها على تعطيل ما اتفق عليه الثلثان الآخران, وهذا سيعيق إحراز أي تقدم خلال عمل اللجنة. إلى ذلك انتظر ملايين السوريين التوصُّل إلى اتفاقٍ يمنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة ومفتوحة في إدلب ، لا سيما بعد التصعيد العسكري الذي تم قُبيل القمّة مباشرةً, في رسالة روسية واضحة مفادها : إما اتفاق وفق الشروط الروسية، أو مواجهة شاملة يسعى خلالها الجيش السوري للتقدّم مجددًا في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وصولاً إلى مدينتي معرة النعمان وسراقب. وفيما كانت كافة الاحتمالات مطروحة على طاولة الزعماء الثلاثة, واصلت طهران وموسكو معارضة وقف إطلاق النار، فيما بقي الرهان التركي قائمًا على التفاهمات الثنائية بين الرئيسين بوتين وأردوغان. وفي مقابل التوافق على اللجنة الدستورية, إلّا أنه من الواضح أنَّ الاختلاف لا يزال سيد الموقف بين الأطراف الثلاثة فيما يتعلق بإدلب ومصيرها. وبدا هذا التباين في المؤتمر الصحفي الذي عقده الزعماء الثلاثة عقب القمة. فمن جهته ركَّز الرئيس التركي أردوغان على ضرورة تجنيب إدلب أية أزمة إنسانية قد تدفع بموجة جديدة من اللاجئين, مُلمّحاً بأن نتائجها ستصل حتى الدول الأوروبية. فيما أكّد الرئيس الروسي بوتين بأن قوَّاته ستستمرُ في دعم حملات الجيش السوري على "الإرهابيين" ، مُضيفاً أنَّ الإرهابيين مستثنونَ من أيَّة تفاهمات بين الدول الثلاثة, مُشيرًا بأن روسيا لن تذهب إلى عمليةٍ واسعةٍ في إدلب، بل ستكتفي بدعم عمليات محدودة .. وهذه النقطة الأخيرة تحتاج إلى وقفة متأنية .. إذ يُمكن ردُّ ذلك إلى عدة أسباب منها: • الوضع الاقتصادي المتردي في الدولة السورية, وعدم قدرتها على تحمّل تكلفة حرب واسعة النطاق في إدلب, بالإضافة لتحمل تكلفة استيعاب 3 مليون مدني في إدلب. • عدم إمكانية السيطرة الأمنية على أية مناطق جديدة من قبل القوات النظامية, والخسائر التي ستُمنى بها هذه القوات في محاولات بسط السيطرة على معاقل المعارضة شديدة التحصين. • الفوضى العارمة التي تتوقعها روسيا والغرب وتركيا نتيجة لأيِّ عمليةٍ عسكريةٍ واسعةٍ , من حيث إعادة انتشار "الإرهابيين" خارج إدلب, بعدما تم حصرهم هناك, إضافة لموجة هجرة كبيرة لن تستطيع تركيا استيعابها وضبطها. ولهذه الأسباب وغيرها, ستتبع روسيا سياسة القضم البطيء للمناطق, مع مفاوضات متواصلة مع تركيا, والاستمرار باستخدام حجّة (فصل المعارضة الإرهابية عن المعارضة المعتدلة) ، و(إخراج الإرهابيين من منطقة خفض التصعيد) ، و(قصف الإرهابيين لقاعدة حميميم) . ورغم الاتفاق الظاهر بين الطرفين الروسي والتركي, وتبادل حبات (التين) بين الرئيسين أمام الكاميرات, إلَّا إننا نعتقد أنَّ الصبر الروسي بدأ بالنفاذ من المماطلة التركية في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي الذي عُقد حول إدلب بتاريخ 18 سبتمبر 2018 . فمنذ قمة طهران التي سبقت اتفاق سوتشي بأيام, ظهرت على السطح - لأول مرة - الخلافات بين أقطاب محور أستانة, وتبيّن أن الأهداف النهائية للأطراف الثلاثة غير متطابقة على حد تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. فروسيا كانت تعوّل على تفاهم يقضي بالقيام بعملية عسكرية محدودة تُقلص من قدرات "الفصائل الإرهابية" على شن عمليات في محافظة اللاذقية والقاعدة الروسية في حميميم, على أن ينتج عن هذه العملية المحدودة منطقة منزوعة السلاح تمتد من جسر الشغور شمالاً إلى بلدة اللطامنة جنوبًا دون دخول القوات البرية السورية إلى محافظة إدلب, واستمرار تكليف أنقرة بفصل (النصرة) عن الفصائل (المعتدلة) .. ولكن أنقرة أصرّت على رفض أي عملية عسكرية قبل الحصول على ضمانات روسية بعدم توغل القوات السورية والحليفة في عمق المحافظة, وهو ما لم تستطع موسكو إقناع طهران به ... ويُضاف إلى المخاوف التركية اعتقاد أنقرة أنَّ القوات السورية والحليفة, إذا ما توغلت في محافظة إدلب فستنفتح شهيتها على التقدم إلى مناطق سيطرة فصائل (درع الفرات) المدعومة تركيًا في كل من عفرين والباب واعزاز وجرابلس. ولذلك فمن الممكن أن تقوم تركيا - مضطرة - بالضغط لتحييد تنظيم (هيئة تحرير الشام) الموالي للقاعدة أو حتى حل التنظيم نهائيًا لسحب الذرائع من روسيا, ولذلك سيكون التطوّر في ملف إدلب حاسمًا خلال الأسبوعين القادمين, حيث منحت روسيا لتركيا مهلة قصيرة للتعامل مع تنظيم (هيئة تحرير الشام) وإلا سيكون الرد الروسي مزلزلاً ومتجاوزًا لكل العقبات التي ذكرناها. ========================================== 21/9/2019 سوريا - الحسكة

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف