المساء
نبيل فكرى
يا وزير "المرض"!
لست أدري ماذا علي الناس أن يحتملوا.. رغم قسوة الغلاء. إلا أنه مازال بإمكاننا العيش. ولكن ماذا يفعلون إذا داهمهم المرض.. ماذا إن هاموا في الطرقات يبحثون عن سبيل لعلاج أو عملية جراحية عاجلة دون جدوي.. ماذا يفعل أب حزين. يحمل ابنه المريض. يجوب به البلاد شرقاً وغرباً من أجل أن يداوي جراحه. أو يأخذ بأسباب بقائه علي قيد الحياة.
الأحد الماضي. استيقظت صباحاً علي مكالمة من والدي. يخبرني بإصابة عمي بجلطة في القلب. وعلي الفور. أدخلناه أحد المستشفيات الخاصة بمدينة دمنهور في البحيرة. وبعد التحاليل و"الذي منه" أكدوا حاجته إلي قسطرة عاجلة. لكنهم ليس لديهم جهاز قسطرة. ودلونا علي مستشفي آخر. ذهبنا إليه. فأخبرونا أن جهاز القسطرة معطل. وليس أمامنا سوي الذهاب علي عجل إلي مستشفي دمنهور التعليمي. حتي لا تتفاقم الحالة. فذهبنا. لكنهم أخبرونا أن جهازهم أيضاً معطل. وعرفنا أن البحيرة بأكملها ليس فيها جهاز قسطرة واحد. وليس أمامنا سوي الذهاب إلي الاسكندرية. وكان ذلك يعني البحث في قائمة طويلة فيها "الصالح والطالح". والمساومة والتجارة. حتي لا تدري. هل تجري العملية أم لا. وإن أجريتها. فمن تأتمن. وبكم. فالتكاليف للشيء الواحد ليست واحدة. وكثير من الأطباء "يفاصلون" في تكاليف القسطرة وأسعار الدعامات. وغيرها من المستلزمات.
لم أجد أمامي سوي سؤال الدكتور محمد علي سلطان. محافظ الاسكندرية. والذي لم تكن البحيرة في عهده بهذا السوء والتردي. وبعد دقائق معدودة. طلب مني التوجه بعمي. إلي مستشفي شرق المدينة بالإسكندرية. حيث الدكتور محمد فاروق مدير المستشفي. والذي أزال عني في دقائق كل الهم الذي رافقني في رحلة البحث عن ملاذ. وعن مكان آدمي. نشعر فيه بأن الطب مازال علي حاله. وأن الإنسان مازال أيضاً علي حاله. والحقيقة أن الدكتور محمد فاروق يقود منظومة العمل داخل المستشفي الحكومي كما يجب أن يكون في كل مستشفي بمصر. وأشهد أن بابه مفتوح للجميع. وأنه يباشر مع معاونيه كل التفاصيل. في مكتبه الذي يشبه المائدة المستديرة. في الوقت الذي لم أعثر علي مسئول داخل مستشفي دمنهور. وقضيت أكثر من ساعة ونصف الساعة. أحاول فقط أن "أختم" ورقة التحويل لعمي إلي الإسكندرية.
ليست أدري ماذا أقول لوزير الصحة الدكتور أحمد عماد الذي نادي منذ أيام بضرورة وجود علاقة حب بين الطبيب والمريض. وقال إنه من فرط علاقته الطيبة بمرضاه من الرجال. كان "بيبوسهم" فور دخولهم إلي العيادة. وليته يعلم أن الناس لا تريد سوي العلاج. و"نبوس إيدك انت". ولا أدري ماذا فعل كل وزراء الصحة السابقين. والذين وصلوا بالخدمة الطبية في مصر إلي هذا المستنقع. الذي طال حتي المستشفيات الخاصة. فباتت هي الأخري. أشبه بأكشاك تبيع وتشتري كل شيء. والناس لا حول لها ولا قوة. لا تملك إلا الشكوي لله.
كما لست أدري. لماذا لا تكون كل مستشفياتنا الحكومية. مثل "شرق المدينة" بالإسكندرية. وكل المديرين كمديرها الدكتور الإنسان محمد فاروق حسن. الذي يقدم نموذجاً محترماً وراقياً في إدارة المستشفيات الحكومية. يحوطه حب كل من حوله. حتي المرضي. الذين يجدون في القلب متسعاً. رغم قسوة المرض.
سنظل نراوح أنفسنا. طالما أننا لا نواجه أنفسنا. وطالما أن الأمور علي حالها. لا تتحرك قيد أنملة. وطالما أن المسئولين يتعاملون بطريقة الموظفين. الذين ورثوا ممن سبقوهم. كل شيء. حتي الفشل.. رفقاً بالناس. و"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
** كلمة أخيرة:
ـ عندما حاولت أن أشكر الدكتور محمد علي سلطان محافظ الإسكندرية علي صنيعه. رد علي بشكر مماثل أن منحته فرصة للخير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف