عائشة عبد الغفار
تيار عولمى فى مواجهة الجبهة القومية
اثارت الانتخابات الفرنسية وفوز ماكرون ولوبان فى الدورة الانتخابية اهتماما دوليا واقليميا وأوروبيا غير مسبوق بسبب المسافات المحدودة بين المرشحين الأربعة فييون و«لوبان» وماكرون وميلنشون مرشح أقصى اليسار وقلق الفرنسيين إزاء الاقتراع الرئاسي.. ولقد جاءت النتيجة منطقية حيث ان ماكرون يشكل حاليا أكبر ضمان كسد منيع ضد الجبهة الوطنية، فالجميع أصبح على علم بخبرته السياسية ومناصبه المرموقة وحياته الخاصة، كما ان ادراكه لآلام واحباطات المجتمع الفرنسى معروفة ومقنعة, واستطاع خلال حملته أن يقدم مشروعا وانطلاقة وأملا فى التجديد وإرادة لجمع كل الفرنسيين. لم يتمتع هامون بنفس الانطلاقة ولم يفلح ميلنشون فى أن يجمع الفرنسيين حوله من أجل التصدى لليمين المتطرف، نعم لقد قدم ماكرون الحل وانتخبه اليسار وكذلك المواطنون المرتبطون بالبناء الأوروبى واعداء التدهور.. وأصاب الهدف عندما أعلن انه «لا ينتمى لليمين ولا لليسار». لقد برع ماكرون عندما أعلن ان الباحثين العلميين الأجانب خاصة خبراء المناخ الذين يحاربهم ترامب يستطيعون أن يلجأوا إلى فرنسا وعندما أعلن أنه سوف يفتح أبواب المكتبات يوم الأحد وفى كل ليلة من أيام الأسبوع، وهو برنامج فيكتور هيجو الذى قال «افتحوا المدارس، اغلقوا السجون» لقد راهن ماكرون على الضمير الفكرى الفرنسى مستعينا بدروس اميل زولا وبيجى وشيراك وميتران وجيسكار وسيمون فيل وتجاهل أن يذكر اسمى ساركوزى وهولاند! لقد تميز خطابه السياسى بالهدوء والكياسة مؤكدا ان «السياسة ليست وظيفة وانما مهمة» أحسن ماكرون عندما كان يقيم مع زوجته فى فنادق ثلاثة نجوم خلال حملته ويركب القطار فى الدرجة الثانية ويتردد على «ترزي» بشارع أبوقير لا يتجاوز فيه تفصيل البدلة خمسمائة يورو! ان مرشح حزب إلى الأمام استطاع أن يحصل على أصوات ناخبى اليمين وناخبى اليسار والوسط وقدم وعودا للطبقات الكادحة مؤكدا أريد أن أعطى حريات جديدة و ضمانات جديدة للمواطنين. لقد نجح ماكرون فى اختيار كبار موظفى وزارة الخارجية الفرنسية الذين يعملون منذ شهور من أجل دعم مرشح حزب «إلى الأمام» مثل زميله فى مدرسة الإدارة العليا «لينا» السيد ليشيفالييه وإيمانويل بون سفير فرنسا فى لبنان و«جيرار ارو» زميله فى واشنجتون وجان كلود كوسران سفير فرنسا الأسبق فى مصر واستحوذ على دعم ساركوزى وجيبيه وان كانا قد أعلنا دعمهما لفيون أيضا الذى لم ينجح فى الجولة الأولى بسبب اتهامات لم يحكم بعد فيها القضاء الفرنسى والتى أطلق عليها الفرنسيون قضية «بينيلوب جيت» وإذا كانت قد نجحت مارى لوبان التى يتم وصفها بانها «عصفورية الجنون» «مرشحة الجبهة الوطنية فى الجولة الأولى فذلك يعود إلى استثمارها الجيد للحادث الإرهابى الذى تعرضت له باريس قبيل الانتخابات وتصريحاتها المتشددة إزاء سياسة الهجرة وانتقادها للاتحاد الأوروبى الذى وصفته بأنه نوع من الفيدرالية، ومطالبتها بإعادة هيكلة الاتحاد الأوروبى بعد فشل اليونان والبرتغال وانسحاب إنجلترا من الاتحاد وإعلانها أن الاتحاد الأوروبى يطغى على الشخصية الفرنسية وهناك قشيرة ضخمة من الفرنسيين يعتقدون ان أوروبا هى أم المشكلات. ولدى ماكرون حاليا فرص سانحة ليصبح رئيسا لجمهورية فرنسا لأنه يعد ظاهرة غير مسبوقة فى الانتخابات الفرنسية واستطاع أن يفرض نفسه ليس من خلال حزبه ولكن من خلال تدرجه وارتقائه فى داخل مناصب مهمة ولقد نجح ماكرون فى إعلانه بأنه ليس يساريا حتى انه أصبح يعد من الوسط من منطلق إرادته فى توسيع رقعته الانتخابية، ويرى البعض حاليا أنه أصبح بديلا للحزب الاشتراكي، لقد قدم ماكرون برنامجا توافقيا وحصل على دعم إعلامى كبير وأثبت أنه مؤمن ببناء العلاقات الدولية المستمرة وانه يتبنى تيارا عولميا فى مواجهة تيار قومى شعبوى وعندما تعلن مارى لوبان أن «فرنسا باتت على المحك» فلقد دق ناقوس الخطر فى الجولة الثانية الذى سوف يحصل فيها ماكرون على دعم الاتحاد الأوروبى ودعم قوى سياسية عديدة فى فرنسا ترى انها لا تستطيع أن تتحمل خروج فرنسا بعد البريكسيت ومن منطقة اليورو!