الجمهورية
منى نشأت
لما كنا.. طيبين
كانت اجبارية.. وكنت شقية.. انها مادة الدين وهي علي أيامنا تنجحك أو "تسقطك" والسقوط مدو.. فأنت في الفصل والمدرسة والبيت ساقط في دينك. ولم يكن معلمها يتلو آيات القرآن فقط وإنما الأهم يفسره ويحكي الحكايات من زمان فات.. عن رجل دخل الجنة وهو لم يسجد ولا صلي في حياته وكان كافرا.. لكنه حين مر بكلب ظمآن خلع حذاءه وانزله للبئر وملأه بالماء وسقي منه الكلب فارتوي.. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام انه بهذا كتبت له الجنة. حيث الدين الرحمة والإحسان.. والإحساس بكائن حي فما بالك بما شعرنا به ونحن وصغارا وتعاملنا به مع زملائنا وعدنا به للبيت.. فاحترمنا أب وأم.. وحنونا وطلعنا طيبين.
كانت مدرسة مادة الدين سمراء خمرية شكلها.. شكلنا. بشعر أسود وعيون احتارنا في لونها قالوا سوداء أو عسلية ورأيتها سوداء.. معسلة. لأنها معبرة. لم تلبس أبدا ما يكشف جسمها ولا هي جاءتنا تجر ثيابها علي الأرض أو تحجب ملامحها عنا.. تشبه اختنا وخالتنا والأم.. فكبرنا ولبسنا مثلها.. ولا أظن لحظة ان أمي ستمسها نار.. فتحت قدميها الجنة.
كان "إجباريا" وكنت "شقية"
معلمي في أولي ابتدائي يحكي عن جارتهم الفاضلة التي تفتح باب بيتها فتطعم الجائع.. وتغيث الملهوف.. وكانت من فرط الخلق ترتدي تحت ردائها ما هو خشن من الثياب.. وبسرعة سألته وكنت في السابعة من عمري.. كيف رأيت ما ترتديه تحت فستانها.. كنت شقية من الشقاوة التي نتداولها في العامية وليس من الشقاء المكتوب في الفصحي وكان المدرس ذكيا.. مشحونا بالعلم. لم يعاقبني بل أجابني ببيت شعر رائع لشاعر قال انه فارس العرب وعرفت حين كبرت انه عمرو بن معد الذي وصف حبيبته حين هجم الخطر
وبدت لميس كأنها بدر السماء إذا تبدي
فبدت محاسنها التي تخفي وكان الأمر جدا.
فهمت من مدرس الدين بالشعر والقافية والكلام الموزون انها حين مدت الخطوة رفعت طرف ملابسها فبدا الداخلي منها هي عادي وأنا انكسفت من نفسي.. فعنده من الاجابة ما ارتفع به وأخجلني.
تعالوا نعمل زي زمان
ابنتي ورثت جينات شغب.. ومدرس الدين لا يكف عن التوجيهات والكلام كله عن الحرام.. وهي تتمني أن تتعرف علي الحلال.. هو يخيفها ويرهب الطلبة وحصته مكهربة بالعقاب دون ثواب يذكر.. عرفت صغيرتي بوجود "مفتش" فقامت لتسأل كيف اغسل قدمي وهي تعلم انه لن يصف وإنما سيفعل.. فرفع الرجل قدمه علي "الكرسي" فقالت لا أفهم وتمادت وهو يرفع رجلا ويمشط أصابع القدم حتي دخل المفتش فقال ما هذا.. لتنطق ابنة العاشرة.. كل حصة يصعد علي المكتب ويهبط.. ولا نفهم لماذا يفعل ذلك.
تلعثم المعلم فلم تكن عنده فطنة اللغة كما افتقر قبلها للعلم بالدين.
ما أفظع اساءة اختيار معلم الدين في المدرسة.. خطيب الجمعة في المسجد. من يلقن الناس دينهم علي شاشة.. وكلما استطاع أحدهم جذب اهتمامنا وأخذنا حديثه.. وحسن لفظه.. وقع في تصرف مشين.. ولم يقم.. أو شدنا إليه بملامح طيبة واستعانة بكلمات من دين طيب.. ثم اتضح انه ينتمي للجماعة.. فنشطبه سريعا لأنه حتما يضع السم في العسل.
لكل هذا مازلت اجمع أولادي ونشاهد الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله. ونقرأ كتبا للغزالي.. ونترحم علي أيام كان الدين فيها مادة اجبارية ترتفع بها درجاتنا.. أو تنقص.
داخل المنهج
أقول قولي هذا ولا أتمني أن يتحول لمادة اجباري.. فلا يوجد الآن من يعرف ماذا يضع في المنهج؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف