الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
الأزهر المعمور
أكان الأزهر المعمور يوماً يخرج قاتلاً ومكفرينا.. بيت من الشعر دار في خيالي. وأنا أتابع الهجوم الضاري علي قلعة العالم الإسلامي في العالم... الأزهر الشريف الذي قال عنه أحمد شوقي أمير الشعراء: قم في فم الدنيا وحيّي الأزهر. وانثر علي سمع الزمان الجوهرا...
يهاجمون الأزهر بزعم أنه مفرخة الإرهاب. والتعليم فيه يؤدي إلي صناعة إرهابي. يدمر أكثر مما يعمر. ويكفر أكثر مما يعلم... هجوم شرس. بدعاوي كاذبة تنتشر هنا وهناك. الغرض منها هدم هذا المعهد العريق الذي يملأ الدنيا علماً ونوراً. وتخرج فيه مكفرون. وعلماء أفاضل في أنحاء العالم الإسلامي.
ما رأينا ولا سمعنا أن ابناً من أبناء الأزهر يدعو إلي الفتنة. أو ينبذ الحق أو يكره الخير أو يدعون إلي الشر. التعليم في الأزهر قام أول الأمر علي حرية الطالب للكتاب الذي يدرسه. والشيخ الذي يشرحه وفق امكانيات الطالب واستعداده لتلقي العلم. وكان العمود في صحن المسجد هو المكان الذي يجلس بجواره الأستاذ ليلتف حوله التلاميذ يسمعون ويناقشون. يختلفون ويتوافقون حول كتاب من كتب التراث وإذا ما أراد الطالب اختيار كتاب آخر أو شيخ آخر. ذهب إلي حيث يرغب. دون تأنيب. أو لوم من الأستاذ الذي تخلي الطالب عن مجلسه. إلا إذا كان الشيخ يري في الطالب نجابة وذكاءً. وحرص علي أن يكون من بين تلاميذه.
وفي حالة الدكتور طه حسين لنا مثلاً. فقد كان يختلف من عمود إلي آخر. حتي يستفيد من كل الشيوخ حتي استقر علي الأستاذ المرصفي. ورغم أن خلافاً وقع بين التلميذ طه حسين وبين بعض شيوخه. ترتب عليه هجوم التلميذ علي بعض اساتذته ليكتب مقالاً بعنوان "ساعة في الضحي بين العمائم واللحي" إلا أنه عاد بعد نضوج فكري يقول: أنا مدين بحياتي العقلية للتعليم في الأزهر "أوراق مجهولة للدكتور طه حسين. سلسلة اقرأ".
والاختلاف شيء مقرر وحق من حقوق كل مفكر. بل كل إنسان. وفقاً لما قرره الإسلام من حرية الفكر. وحرية التعبير. وحرية العقيدة. ولسنا في حاجة لذكر القواعد الإسلامية التي تحث علي ذلك يراجع في ذلك كتاب التفكير فريضة إسلامية للأستاذ العقاد وغيره من كتب الدكتور علي عبدالواحد وافي والدكتور محمد عمارة. وفضيلة الشيخ محمد الغزالي والإمام محمد أبو زهرة.
الأزهر الذي تخرج فيه أبو زهرة والغزالي. وسيد سابق وسعد زغلول والمنفلوطي والشيخ مصطفي عبدالرازق وشقيقه الشيخ علي عبدالرازق وعبدالمتعال الصعيدي والأستاذ خالد محمد خالد والشيخ شلتوت والإمام جاد الحق رحمهم الله جميعاً وغيرهم عشرات من علماء الأمة ومفكريها وشعرائها سواء كانوا من الأزهر دراسة كاملة أو ابناء الأزهر حتي الثانوية الأزهرية ثم التحقوا بكلية دارالعلوم. اسألوا أساتذة النقد والأدب وشعراء العربية يدلوكم عليهم..
محمد علي باشا حين أرسل البعثات الطلابية إلي أوروبا لم يذكر التاريخ منهم سوي رفاعة رافع الطهطاوي ابن الأزهر.
هل رأينا من أبناء الأزهر إرهابياً أو تكفيرياً فليكن هناك واحد نغلق فكره عن الحق والنور. وارتكب إثماً فإنه لا يمثل ظاهرة أزهرية لتواجد أمثاله في طوائف كثيرة إذن أن التعميم في الأحكام هو أساس الخطأ فيها وأول السير في طريق الظلم والضلال الفكري. وطبقاً لما تداولته الأخبار أن المتهمين في الأحداث الإرهابية ليس من بينهم إلا واحد يدرس في الأزهر وهو مازال متهماً حتي تقضي المحكمة في أمره بالإدانة أو بالبراءة إن أي مخرب أو مدمر أو إرهابي قاتل منتسب إلي الأزهر لن يكون ما هو فيه بسبب تعلمه في الأزهر وإن ما أصابه وأصاب فكره يكون بسبب التحاقه بجماعة أو فرقه لحق بها وانضم إليها وليس بسبب دراسة قائمة علي الوسطية وعدم التعصب وإعمال العقل والفكر في تحصيل علوم التفسير والفقه وأصوله وعلوم الحديث التي كان أساسها علوم الجرح والتعديل لغربلة الأحاديث والوصول إلي الصحيح منها والحسن.
ومن هنا فإن أي اتهام للدراسة في الأزهر بأنها وراء كل عمل إرهابي. هو اتهام خاطئ ظالم لا يصيب الأزهر ومكانته فقط إنما يصيب الإسلام ذاته ومكانة مصر التي تزداد رفعة ومكانة بسبب ما يضخه الأزهر من نور في حياة الأمم العربية والإسلامية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف