أحمد كامل البحيرى
ما يحدث في سيناء إرهاب أم تمرد؟
"إن سيناء مصرية وقطعة من مصر، ولا نرضي بديلا عن مصر، وما أنتم إلا احتلال ونرفض "التدويل وأمر سيناء في يد مصر، سيناء مصرية مائة في المائة، ولا نملك فيها شبرا واحدا يمكننا التفريط فيه"، بهذه الكلمات الحاسمة والقاطعة أعلن الشيخ سالم الهرش موقف قبائل سيناء من فكرة الانفصال عن مصر، تحت ضغط من إسرائيل، في مؤتمر عالمي عام ١٩٦٨، والمعروف باسم مؤتمر الحسنة، هذا المؤتمر الذي سعت به إسرائيل إلى تدويل قضية سيناء تحت حجة مطالبة قبائل سيناء بالانفصال عن مصر، تلك المساعي التي انهارت أمام وكالات أنباء عالمية بوجود "موشي ديان"، صاحب هذا المخطط داخل المؤتمر الصحفي. هذا الموقف وغيره من المواقف البطولية لأهالي سيناء جعلت من سيناء (الصوفية) بعيدة عن الكثير من الأفكار، بداية من فكرة الانفصال إلى الأفكار التكفيرية، فما حدث؟ لماذا ظهرت الأفكار التكفيرية في سيناء؟ ولماذا لم تتمكن القبائل من مواجهة تلك التنظيمات التكفيرية؟ ولماذا تردد بعض وكالات الأنباء العالمية وبعض مراكز الفكر بأن ما يحدث في سيناء هو تمرد وليس إرهابا؟ تساؤلات عدة نسعى للإجابة عنها في هذا التحليل، وهو جزء من دراسة قيد الإعداد يقوم عليها كاتب المقال حول (خريطة القبائل بمناطق الإرهاب بدول المنطقة)، حيث تسعى تلك الدراسة للوقوف على خريطة القبائل والعشائر والعائلات الموجودة في مناطق الإرهاب بالمنطقة، ورسم خريطة لأهم القبائل والعائلات بدول المنطقة العربية، بما فيها مصر، تمكنت التنظيمات التكفيرية من استقطاب عدد كبير من أبنائها وهو ما ساعد على أن يحتمي التنظيم الإرهابي والعناصر التكفيرية بتلك القبائل والاختفاء في محيطها الجغرافي، ولماذا حدث ذلك؟ وهل ذلك مرتبط بأسباب اجتماعية أو جغرافية لتلك القبائل أم هناك أسباب أخرى؟ تساؤلات عدة تطرحها تلك الدراسة والتي تم طرح الجزء الأول منها الأسبوع الماضي ونتناول الجزء الثاني اليوم. (١) اعتمد بعض المراكز الفكر الدولية والعديد من وكالات الأنباء العالمية وصف ما يحدث في سيناء بأنه حالة من التمرد من بعض أبناء بدو سيناء تجاه السلطة، وهو ما شكل لدى البعض من الرأي العام الدولي حالة من الالتباس على ما يحدث في سيناء، انعكس على كتابات البعض في الداخل المصري، فهل ما يحدث في سيناء تمرد أم إرهاب؟ وهو ما يدفعنا لطرح التعريف الخاص بكل حالة، ومن ثم قياس ذلك على توصيف ما يحدث. يمكن التمييز بين العمل الإرهابي والتمرد من خلال تحديد عناصر تعريف الجريمة الإرهابية، التي تتمثل فيما يلي: * العنف غير المشروع: وهو ما يحدث في سيناء من خلال ما ترتكبه التنظيمات الإرهابية من أعمال عنف تستهدف كل قوات الإمن والمدنيين والبنية التحتية وترويع السكان وغيرها. * التنسيق والتنظيم: حيث تتم العمليات الإرهابية في سيناء من قبل جماعة إرهابية محددة ومنظمة وذات أيدولوجية معروفة وهي تنظيم بيت المقدس التابع لتنظيم داعش. * أن يؤدي العنف إلى خلق حالة من الرعب والفزع: وهو ما يؤدي إليه الإرهاب الموجود في سيناء والذي تسبب في إثارة الخوف والفزع بين السكان، نظرا لعشوائية العمليات الإرهابية التي تنفذها هذه التنظيمات، والتي يترتب عليها وقوع العديد من الضحايا من المدنيين.
* أن يهدف العمل إلى تحقيق أهداف سياسية، أو دينية، أو عقائدية، أو عنصرية بعيدة عن الغايات الفردية: وهو ما يبدو بوضوح في الغايات التي أعلن عنها تنظيم بيت المقدس بوضوح، وأبرزها "إعلان الدولة الإسلامية في مصر". تلك السمات تختلف كليا عن تعريف حركات التمرد بوصفها "حركة مقاومة منظمة تستخدم أعمال السلاح لتحقيق أهدافها، وتسعى عادة إلى مطالب سياسية، ونجد أن هناك فروقا جوهرية بين مفهوم الإرهاب والتمرد، ومنها: * حركات التمرد تعمل بشكل علني ضد مصالح النظام الحاكم وليس ضد مصلحة العامة، بينما تعمل التنظيمات الإرهابية ضد المصلحة العامة والدولة، وهو ما يبدو بوضوح فيما تقوم به التنظيمات الإرهابية في مصر من تدمير للممتلكات العامة والخاصة واستهداف مدنيين، حيث سقط ما يتراوح بين (٤٠٠ مدني) على يد تنظيم بيت المقدس بشكل مباشر، تحت حجة التعاون مع الدولة لمصرية، أو عدم التعاون من قبل المستهدفين مع تنظيم بيت المقدس، بجانب استهداف المسلمين من مذاهب أخرى كما حدث مع الشيخ (سليمان أبو حراز، أحد شيوخ الصوفية في سيناء)، بجانب استهداف الطوائف غير المسلمة كما حدث مع الأسر والأفراد المسيحيين في سيناء، أو كما حدث في العملية الإرهابية في أحداث البطرسية بالقاهرة وتفجيرات كنيستي مارجرجس في طنطا ومارمرقس في الإسكندرية، والتي أعلن تنظيم بيت المقدس الموجود في سيناء تبني تلك العملية الإرهابية، بجانب الإضرار بالسياحة وتدمير البنى التحتية للدولة. * يركز المتمردون في حركات التمرد على مهاجمة أنظمة بعينها. وبالمقارنة، فإن أهداف الإرهابيين ليست محددة ومقتصرة على الحكومات بل تركز على نوايا وأهداف أيديولوجية أوسع نطاقا، فتنظيم بيت المقدس هو أحد أفرع تنظيم داعش وهو تنظيم إرهابي دولي يسعى إلى بناء دولة إسلامية حول العالم، ويعد تنظيم بيت المقدس جزءا منه. * لا يستهدف الإرهابيون الحكومات في حد ذاتها، وإنما يهاجمون المجتمعات بشكل مباشر بهدف إنهاء دولة معينة، وبالتالي، فإن التنظيمات الإرهابية ليست منشغلة بتغيير النظام، وإعادة توزيع السلطة، وغيرها، حيث يطمح الإرهابيون في سيناء إلى إعادة بناء دولة إسلامية وليس تغيير نظام الحكم إلى نظام آخر أكثر ديمقراطية. * الفرق الرئيسي هو أن التمرد عبارة عن "حركة" ذات مساع سياسية وهدف معين، وهو ما يميزها عن الإرهاب، ولكن الإرهاب عبارة عن منهج "Method" لتحقيق أهداف معينة. * التنظيمات المتمردة غالبًا ما تلتزم بالمعايير الدولية فى ما يتعلق بقانون الحرب في تحقيق أهدافها، ولكن الإرهابيين لا يلتزمون بهذه القوانين، حيث يقوم الإرهابيون في سيناء بعمليات اختطاف وقتل وحشي دون اعتراف بأي معايير دولية. (٢) وانطلاقا من الفروق التي تضمنتها الدراسات العلمية والسياسية والاجتماعية في التفرقة بين المفهومين (وما طرح هو جزء للتوضيح لضيق مساحة المقال)، ومن ثم يتضح لنا أن ما يمارسه تنظيم بيت المقدس وبعض العناصر التكفيرية في سيناء هو نشاط إرهابي، وأنها ليست جماعات متمردة وإنما جماعات إرهابية، حيث تنطبق على ممارسات تنظيم بيت المقدس في سيناء جميع الخصائص المذكورة حول تصنيف النشاط الإرهابي. ولا بد من الاشارة إلى أن هناك بعض الكتابات والتحليلات الأجنبية بدأت تستخدم مصطلحا جديدا بعنوان (التطرف العنيف) أيضا في وصف ما يحدث في سيناء بعد كثرة العمليات الإرهابية من قبل تنظيم بيت المقدس خلال المرحلة السابقة، خصوصا تجاه الأقباط، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك فرقا كبيرا بين مصطلح الإرهاب والتطرف العنيف، وهذا يحتاج إلى مساحة أخرى للإيضاح.