تتأمل بين الحين والآخر من يجمع الناس على حبهم. في زمن تثور فيه الشعوب على حكامها، ويغضب الأتباع من رجال الدين، ظهر هو ليكون حب الناس له محل توقف وتأمل ودراسة. بين شيوخ التكفير وأئمة وأساقفة التأييد ظهر رجل دين كنور في ظلمة حَمَلة لواء اسم الله، صار لنا أملا في ليل حالك عم أرجاء الأديان السماوية وعباداتها. من خاطب الجميع دون إقصاء وأحب الجميع دون تفرقة وقَبِل الجميع دون حسابات سياسية دينية إثنية، لم يسأل عن ديانة المرضى الذين باركهم ولا عن طرق عبادة المسنين الذين زارهم ولا عن انتماء اللاجئين الذين فتح لهم كنائسه وبيوته. ذاك الذي أتى من القارة المناضلة ليرفع صلوات المقهورين والحزانى، جاء لينهي حقبا من الاستعلاء الفاتيكاني الخالص ويضفي على كرسي روما بريقا: عظيما في تجليه، متواضعا في ظهوره، عميقا في جوهره. هو من جاء ليرد على سؤال المسيح لتلاميذه: "من يقول الناس إني أنا؟" جاء ليقول إن المسيح وبلا أدنى تردد، هو قبول ومحبة وتواضع واعتذار عن جرائم تاريخية ودعوات متكررة لرفع المأساة عن اللاجئين، جاء ليعلن أنه ما زال للمسيح أتباع أوفياء يطيعون الحق وينادون به بعيدا عن الشعارات الرنانة. ذاك الذي يُقَبل كل عام في خميس العهد (الخميس الذي يسبق جمعة الآلام) أرجل المسلمين والبوذيين والملحدين. هذا هو المسيح الذي تجاهلوه في الكنائس وشهروا به في الميادين العامة وشوهوه بتشتتهم. ها هو نجم يسطع كي يُحيي ما تبقى من ضوء خافت في نفوس المؤمنين برسالة المسيح أو بالله بشكل عام أو بالإنسانية بشكل أعم. إن كانت شهادة مسيحي كاثوليكي لبابا روما مجروحة، بصفته رأس كنيسته وأعلى سلطاتها فماذا عن ملحد أوروبي يحتفظ بصورة البابا فرنسيس في غرفته؟ ماذا إن حدثتك عن صورة البابا فرنسيس في وسط صور صناع السلام وزارعي الأمل في محاضرة حضرتها ألقيت في جامعة أمستردام عاصمة هولندا العلمانية ذات المجتمع المتفتح الرافض في أغلب الأحيان للحديث عن الدين ورجاله؟! حدثونا كثيرا عن قداسة من سبقوه، ولكن العالم اليوم يحدثنا ويعترف بما لا يدع مجالا للشك أن البابا فرنسيس تخطى حدود القداسة الدينية ليكون واحدا ممن يمكن أن أطلق عليهم "قديسي الإنسانية".
ذهبت تعتذر بشجاعة المسيح وبراءته داخل الكنائس البروتستانتية عما حدث من نظيراتها الكاثوليكية في تاريخ حاول من سبقك تجنبه، قبلت كل المختلفين، خصصت أماكن للمهمشين كي يستحموا ويحصلوا على أقل حقوقهم الخدمية، خلعت عنك صلبانك المذهبة وتخليت عن كل الحلي لتتحلى بحب العالم واحترامه. تأتينا غدًا بإنسانيتك في وطن نهش الفقر والجوع إنسانيته، تأتينا بتسامحك بعد أن صار التسامح علامة ضعف للسلطة وخيبة للمتسلط، تأتينا بسلامك فربما نلمح في عيونك ما افتقدته عيوننا، تأتينا بمسيحك، فربما ندرك أننا صرنا نحمل رسائل كاذبة غير تلك التي أتى بها المسيح، رئيس السلام. مصر تفتح الأبواب لقداستك، فلتصلِّ أنت كي يفتح الله شريان إنسانيتها، فقد أصابه تحجر وتجلط خطير يا قداسة البابا.