المساء
السيد العزاوى
الأمانة أسلوب حياة ولا مكان في الإسلام للفاسدين
حدد الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم معالم الطريق لأبناء الأمة الإسلامية وترك للبشرية أفضل النماذج في حفظ الحقوق وتقدير الأمانة لكل من جاءه مستودعاً لديه أياً من هذه الأمانات أوراقاً كانت أو مستندات مادية أو غيرها. وضرب المثل صلي الله عليه وسلم في حسن الخلق والتعامل مع كل الناس في أم القري بأفضل الأساليب واشتهر بينهم بالصادق الأمين حتي قبل بعثته صلي الله عليه وسلم بدعوة الحق.. أقبل الجميع إلي المصطفي يضعون لديه كل ما يريدون حفظه وحمايته من الضياع أو استيلاء الغير.. وبعد أن أبلغ الناس برسالته إليهم وإلي الناس جميعاً ناصبوه العداء ووقفوا ضده وارتكبوا الكثير من صنوف الايذاء والسفاهة والحماقة له ولكل من دخل في دينه الجديد.. ورغم هذا العداء وعدم الاستجابة لدعوته إلا أنهم ظلوا يقدمون إليه أماناتهم وكل ما يريدون حفظه وكان يستقبلهم بأفضل الأساليب وحسن أخلاقه التي لم يتخل عنها أياً كانت قسوة الظروف وسوء التعامل من أهل مكة وغيرها.
وكانت دعوة هذا النبي الأمي هداية لسائر البشر وأخذاً بأيديهم نحو طريق الحق والعدل والسماحة التي ترفض التعالي أو التمييز بين البشر. وكانت آيات القرآن التي تنزلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم تؤكد هذه المعاني وتلك السلوكيات التي تحلي بها رسول الله صلي الله عليه وسلم. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم أن الله عليم خبير" 13 الحجرات. وقد شاء الله تبارك وتعالي أن تعلو كلمة الحق وأظهر الله دينه الحنيف رغم صلف وغرور صناديد الكفار. ودخل الكثير في دين الله أفواجاً وعلت أنوار وسماحة الإسلام بمبادئه التي تحترم آدمية البشر وتعلي الكرامة الإنسانية وصارت الأمانة أسلوب حياة في ظلال هذه القيم الخالدة خاصة أن رب العالمين قد أكد عليها في أكثر من آية بالقرآن العظيم "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً" 58 النساء وقد صار هذا منهج الإسلام وأسلوب حياة لأتباع الدين الحنيف ولا مكان للفاسدين أو الغشاشين ومنتهزي فرص الكسب الحرام.
وقد ضرب سيد الخلق محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم المثل وكان القدوة في حفظ الأمانة ورعاية حقوق الغير بصرف النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة. رعاية الأمانة والحرص علي اعادتها لأصحابها إنما هو منهج نبي الرحمة لكل العالمين.. ومما يؤكد ذلك أن الرسول الكريم ظل صابراً علي ايذاء أهل أم القري وما حولها استجابة لنداء رب العالمين "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" واستمر في تعامله مع الناس جميعاً بالصدق والأخلاق الحميدة. حافظاً للأمانات مراعياً لكل الحقوق ومما يوضح هذه الحقائق بصورة أكثر وضوحاً أنه صلي الله عليه وسلم حين اذن له ربه بأن يهاجر من مكة إلي المدينة في وقت كان الكفار قد دبروا لقتله واحضروا من كل قبيلة فتي لكي يجتمعوا أمام بيته صلي الله عليه وسلم فيتقدموا جميعاً لقتله في ضربة واحدة وبذلك الفكر القبلي يتفرق دمه بين القبائل فلا يدري أي من هؤلاء قد ارتكب هذه الجريمة. لكن شاء إرادة الله حفظ الرسول الكريم من هذا التآمر وخرج من بيته أن حثا التراب علي رؤوس هؤلاء الفتيان دون أن يشعروا بخروجه. وصدق رب العالمين حين قال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين".
وسط هذه الهموم وأمام تلك المؤامرة الحاقدة ضد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم إلا أنه كان مستمراً علي عهده ووفائه مع هؤلاء الذين استأمنوه علي ودائعهم فقد ايقظ ابن عمه ذلك الفتي علي بن أبي طالب وكلفه أن ينام في فراشه في اطار عملية التمويه واليقظة لهؤلاء المتربصين به وفي نفس الوقت ترك لدي ابن العم تلك الامانات وهذه الودائع وأمره بأن يردها لأصحابها. إنها أخلاق الرسول الكريم ومنهج الدين الحنيف وأسلوب الحياة الدائم لأمة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم علي مدي الحياة. وقد وضع الإسلام الضوابط والقواعد لاستمرار هذا الأسلوب في التعامل وأنه لا مكان في الإسلام لأي فاسد أو متطلع للكسب الحرام وان قيم الدين الحنيف تقف بالمرصاد لكل من يتجاوز قواعد الأمانة وضوابطها في كل التعاملات كي يسود المجتمعات العدل ويكتسب الجميع الطمأنينة علي أموالهم وأماناتهم وحياتهم في اطار العدل ورعاية كل الحقوق ولا يفوتنا أن نشير إلي واقعة تؤكد أن الأمانة هي أسلوب حياة لكل مسلم صادق مع نفسه ومع ربه وتتمثل هذه الواقعة في أن الرسول صلي الله عليه وسلم اختار رجلاً لجمع الزكاة من الذين وجبت في حقهم هذه الفريضة لكن الرجل بعد عودته من جمع الزكاة. قال: هذا حقكم في الزكاة وجنب بعض الأموال قائلاً: هذه أهديت إليّ. وهنا غضب الرسول ورفض هذا الأسلوب رفضاً قاطعاً وأمره برد هذه الأموال لبيت مال المسلمين ونهره قائلاً: "هل جلست في بيت أبيك حتي يهدي إليك" تلك هي قيم الدين الحنيف ليتنا جميعاً نضعها نصب أعيننا ونبتعد عن الكسب الحرام والتمسك بقيم الدين الحنيف!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف