كان يجب أن نري الاحتفال بمولد السيدة زينب رضي الله عنها هذا العام مختلفا عن كل الأعوام السابقة.. كان يجب أن يكون مناسبة لتصحيح المفاهيم والممارسات الدينية وترشيد العادات والتقاليد.. خاصة أن كل من هب ودب يتحدث الآن عن تجديد الخطاب الديني.. وسبقت الاحتفال تصريحات عن منع الخيام ودوريات لضبط السلوك العام والحفاظ علي أبناء التصوف.
للأسف انتشرت الخيام حول المسجد وفي الأزقة والشوارع.. يتكدس فيها الرجال والنساء حول مواقد النار الغازية مما يهدد باشتعال الحرائق لأتفه الأسباب.. وانتشر المتسولون وميكروفونات الــ "دي جي" والمراجيح.. وتحول الجو الروحاني المفترض للمريدين إلي ساحة مضطربة مزعجة.
نحن نعيش انفصالا تاما بين ما نقول وما نفعل.. نتحدث كثيرا عن الاصلاح الديني والتطوير والتجديد الفكري.. لكننا في الواقع وعلي الأرض نغرق في بحر البدع والجهل والتخلف إلي درجة مقززة.. لا أحد يهتم بتطبيق الشعارات والدعوات.. وإذا سألت عن الدور الذي تؤديه مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية في هذا الواقع الأليم فلن تجد إجابة.. الكل يلتزم الصمت.. رغم انه يعرف أن هذه مسئوليته أمام الله وأمام الناس.. أو هذا ما يجب أن يكون.
الكارثة أن هذا الهرج ينسب زورا للدين والتدين.. قطاعات من الشعب مازالت تتصور أنها تشارك في فواحش الموالد محبة في آل البيت الكرام لكي يقربوهم إلي الله زلفي.. وهذا فهم مناقض تماما لصحيح الدين.. يسيء إلي الإسلام شكلا ومضمونا.. الأقرب إلي الصواب أن تنظر إلي الموالد وما يحدث فيها كنوع من الفولكلور الشعبي المتوارث.. أو كنوع من السياحة الداخلية لأناس لا يجدون غير هذا اللون من السفر والترحال والترفيه.. ولا يملكون غير ربطه بالدين لاعطائه المبرر المقبول اجتماعيا.. ومن ثم كان علي المؤسسات المعنية أن ترشد هذا السلوك تدريجيا بشيء من المعرفة والوعي وإيجاد البدائل الأصوب.
ما تشهده خيام المريدين في زمن الانترنت وغزو الفضاء يتعارض مع الدين ومع القيم التي حملتها السيدة الطاهرة صاحبة الذكري.. فقد اختلط النساء بالرجال الذين جاءوا يلتمسون البركات ومعهم بلاليص المش والعسل الأسود ومواقد الطهي.. ناهيك عن انتشار التلوث في الطعام والشراب.
كل هذا حدث كما كان يحدث كل عام دون وعي ودون إرشاد.. مشهد كله بؤس وعذاب وفقر ومرض وجهل وتخلف.. يتم الإعداد له وتهيئته تحت لافتة دينية مزورة.. مشهد لا علاقة له بالدين ولا بالتصوف.. بل علي الأرجح له علاقة وثيقة بتزييف الوعي.. وتغييب العقل وتعميق الجهالة.
أين الأزهر ورجاله ودعاته؟.. أين الأوقاف والخطباء وقوافل الدعوة وقوافل التوعية الدينية؟.. أين رئاسة الطرق الصوفية؟.. أين أصحاب الكلام الفخيم عن التجديد والتطوير والترشيد؟
كلهم مسئولون عن هذا المشهد البئيس.. المشهد الذي يجمع أناسا جاءوا يحملون جهلهم للحصول علي البركات.. لكنهم يعودون إلي محافظاتهم محملين بالأمراض النفسية والبدنية.. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.