الأهرام
عبد الغفار شكر
دروس انتخابات الرئاسة الفرنسية
انتهت الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية التى شارك فيها 11 مرشحا، يمثلون كل ألوان الطيف السياسى فى المجتمع الفرنسي، إلى نتائج غير متوقعة فى جانب منها، حيث فاز كل من مرشح الوسط إمانويل مكرون، زعيم حركة إلى الأمام، ومارى لوبان، زعيمة التيار اليمينى المتطرف، بأعلى الأصوات وتجرى الإعادة بينهما فى الجولة الثانية التى ستجرى يوم 7 مايو ويتولى الفائز منهما رئاسة الجمهورية الفرنسية، فقد حصل إمانويل مكرون على 24.01% من الأصوات بينما حصلت مارى لوبان على 21.3% من الأصوات. وقد كشفت هذه الانتخابات عن العديد من الظواهر المهمة التى يمكن أن نستخلص منها دروسا جديرة بالتأمل يمكن الاستفادة منها فى الممارسة السياسية فى المجتمع المصري، أول هذه الظواهر هو سقوط الأحزاب التقليدية الكبيرة خاصة الحزب الاشتراكى الفرنسى الذى حكم فرنسا أكثر من مرة، فقد حصل ممثله الرسمى بونوا هامون على 6.36% فقط من أصوات الناخبين ، كما حصل فرنسوا فيون ممثل الحزب الجمهورى الديجولي، الذى أنشأه شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة فى فرنسا سنة 1958، الذى حصل على 20.01% من أصوات الناخبين وجاء ترتيبه الثالث فلم يدخل جولة الإعادة وقد حرم كل من الحزب الاشتراكى الفرنسى والحزب الجمهورى من ان تكون الإعادة بين مرشحيهما لكونهما الحزبين الأكبر فى فرنسا اللذين تناوبا حكمها لسنوات طويلة، وقد جاء سقوط الحزبين الكبيرين على خلفية الانقسامات التى ضربتهما وادت إلى هذا الوضع، وهو أمر جدير بالتأمل باعتباره درسا مستفادا من الانتخابات الفرنسية، والذى يؤكد أن انقسام الأحزاب على نفسها يؤدى فى النهاية إلى هزيمتها السياسية، وربما يؤدى أيضا إلى اضمحلالها وهو ما يهدد بالدرجة الأولى الحزب الاشتراكى الفرنسي. ربما يكون هذا بالنسبة لمصر من أهم الدروس المستفادة من الانتخابات الفرنسية، حيث تشهد الحياة الحزبية المصرية ظاهرة الانقسامات فى العديد من الأحزاب أخرها حزب المصريين الأحرار.

وثانى هذه الظواهر هو تراجع اليسار الفرنسى بسبب انقسامه إلى كيانات وتوجهات متعددة وإذا كان جان لوك ميلونشون قد جاء ترتيبه الرابع ولم يدخل الجولة الثانية من الانتخابات، فإن ذلك لا يعنى ان اليسار الفرنسى بخير فهو منقسم على نفسه، حيث يمثل هذا المرشح اليسار الراديكالى والذى امتنع باقى أقسام اليسار الفرنسى المعتدل منها واليمينى عن مساندته، ولعل هذا التراجع والانقسام فى جبهة اليسار يذكرنا بما جرى فى مصر من تفتت اليسار إلى العديد من الأحزاب والتجمعات والكيانات بدءا من الاشتراكيين الثوريين إلى حزب التجمع إلى التحالف الشعبى والاشتراكى المصرى فضلا عن الأحزاب الناصرية المتعددة مما أدى إلى ضعف اليسار وابتعاده تماما عن المنافسة السياسية، ولعل درس إنقسام اليسار الفرنسى يدفع اليسار المصرى إلى البحث فى كيفية توحيد صفوفه أو اكتساب احد مكوناته القدرة على بناء نفسه جماهيريا ليتمكن من البروز كممثل حقيقى لليسار المصري.

أما ثالث الظواهر فهو الاستقطاب الحاد فى المجتمع الفرنسى حول قضايا أساسية مما انعكس على برامج جميع المرشحين بصفة عامة والمرشحين اللذين دخلا مرحلة الإعادة بصفة خاصة، فهناك الموقف من الاتحاد الأوروبى الذى يعكس الاختلاف حول هوية فرنسا، حيث يؤيد مكرون استمرار فرنسا فى هذا الاتحاد وقيامها بدور قيادى فيه، بينما تؤيد لوبان خروج فرنسا من الاتحاد لإعادة الاحترام لعملتها الوطنية وهويتها الفرنسية، ولعل هذا الموقف من الإتحاد الأوروبى يدفعنا إلى تأمل موقف بعض القوى السياسيه فى مصر من الانتماء إلى العروبة والوحدة العربية بينما يرى البعض الأخر التأكيد على هويتها الخاصة وبناء مستقبلها بعيدا عن المشاكل العربية. إننا هنا فى مجال المفاضلة بين انتماء مصر إلى كيان أوسع تلعب فيه دورا قياديا أو الانكفاء على نفسها بحثا عن مصالحها الخاصة.

ومن أوجه الاختلاف بين برامج المرشحين، الموقف من المسلمين والإرهاب، فتدعو لوبان إلى منع هجرة المسلمين إلى فرنسا حتى لو كانت شرعية بل تطالب بطرد المسلمين من فرنسا وتعتبرهم حاضنة للإرهاب الإسلامى كما تدعي، اما مكرون فهو يعتبر المسلمين جزءا لا يتجزء من المجتمع الفرنسى وان ظاهرة الإرهاب جزء من ظاهرة عالمية لا تعود إلى المسلمين ويشجع فرنسا على قبول الهجرة سواء كانت من المسلمين او غيرهم، والدرس المستفاد هنا أن قضية الموقف من الإرهاب قد فرضت نفسها على انتخابات الرئاسة وقد استفادت لوبان من هذه الظاهرة فى كسب تأييد عدد ليس بقليل من الناخبين لخوفهم من العمليات الإرهابية ولتورط عدد من المسلمين الفرنسيين فيها.

أما الظاهرة الرابعة فتتعلق بطبيعة التصويت للمرشحين واختلافه بين الحضر والريف، فقد كشفت نتائج الانتخابات فى الجولة الأولى أن مكرون حصل على أغلب أصواته من المدن الكبرى بعكس لوبان التى حصلت على معظم أصواتها من الريف، وهو ما حدث فى الانتخابات المصرية أكثر من مرة حيث حصل المرشحون التقدميون والمثقفون على غالبية أصواتهم من المدن الكبرى فى مصر كالقاهرة والجيزة والإسكندرية والمنصورة و غيرها، ومن المهم أن نستفيد من هذه الظاهرة فى زيادة نسبة هؤلاء فى مجلس النواب والمجالس الشعبية المحلية فهناك إمكانية كبيرة لقوى اليسار والتيار الليبرالى فى تحقيق نتائج مهمة لمرشحيها فى المدن الكبرى مما يعزز وجودها السياسى وفى المجالس الشعبية.

وهناك أيضا دعم الناخب الفرنسى للشباب للمشاركة فى الحياة السياسية والدليل على ذلك أن الفائز الأول فى الجولة الأولى لا يزيد عمره على 39 عاما.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف