لا أفهم سر الهجمة الشرسة علي شيخ الأزهر.. المنصب والشخص.. لا يمكن أبداً أن يكون كل هذا الانتقام بسبب رأي الشيخ وهيئة كبار العلماء في وقوع الطلاق الشفوي أو تقصيرهم في تطوير الخطاب الديني ومواجهة الإرهاب اللهم إلا إذا كان المطلوب من الأزهر أن يبحث ويتقصي عن الإرهابيين ثم يمنعهم عن ارتكاب جرائمهم بالسلاح إن لم تفلح الكلمة.
بدأت الهجمة إعلامياً بالتطاول علي الأزهر وشيخه.. والحط من قدرهما.. بل واتهامهما بالتواطؤ والتخاذل في مواجهة المتطرفين والإرهابيين.. ثم جاءت المرحلة الثانية والأهم لترجمة هذه الهجمة إلي مشروع قانون انتقامي لمحاسبة شيخ الأزهر ومعاقبته وإدخال عناصر غير أزهرية في عضوية هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وفصل الكليات الأدبية والعلمية عن جامعة الأزهر.. وليس هناك من هدف لهذه التعديلات والتغييرات المطروحة في مجلس النواب إلا إهانة الأزهر وتقزيمه وإلغاء دوره واستقلاله ووضع شيخه وكبار علمائه تحت السيطرة.
ولو أضفنا هجوم البرلمان علي الصحافة والقضاء بحالة التربص الواضحة بالأزهر لزادت حيرتنا في فهم ما يجري تحت القبة وما يتم تدبيره بليل لمؤسسات المجتمع المصري.. خصوصاً أن الأشخاص الذين تصدوا للاشتباك تشريعياً مع هذه المؤسسات اعتادوا علي إثارة الأزمات ومعروف توجههم وحساسيتهم المفرطة تجاه فكرة الاستقلال من حيث المبدأ.
الحقيقة أن مجلس النواب بسبب هؤلاء الأشخاص وممارساتهم الصادمة صار عبئاً علي قضايانا الوطنية.. وبدلاً من أن نلوذ بنواب الشعب لدعم قضايا ومطالب الشعب صار علينا أن نبحث عمن يجيرنا من عنت البرلمان ومشروعاته الانتقامية المرفوضة شعبياً.. وقد أدي ذلك إلي تزايد الدعوات إلي حله كي نرتاح من مفاجآته غير السعيدة.. وقد نادي بهذا الحل الفقيه الدستوري الدكتور محمد نور فرحات.. ثم مؤخراً النائب عماد جاد.
أعرف أن اللجنة الدينية بالمجلس رفضت فكرة محاسبة شيخ الأزهر ومعاقبته في مشروع القانون المقدم لها.. وذلك لفجاجته وقبح دلالته.. فمن الذي يمكن أن يعاقب شيخ الأزهر.. ولماذا يستهان بأعلي قامة إسلامية في مصر؟.. ولماذا الأزهر دون أي مؤسسة دينية أخري؟
إن الذين يتطاولون علي الأزهر ولا يعرفون قيمته ومكانته في قلوب المسلمين داخل مصر وخارجها هم الذين سيدفعون ثمن تطاولهم إن آجلاً أو عاجلاً.. والشعب المصري لن يتسامح مع من يكيدون للأزهر ورموزه.. ومن يحاولون النيل من الأزهر والدين في آن واحد.
هناك من يريدون مصر ساحة للفوضي الدينية.. وهناك من يريدونها بدون أزهر وبدون علماء وبدون دين.. ولذلك يسعون إلي تكبيل حركته والتضييق عليه ليتحول مقام شيخ الأزهر إلي أرجوحة.. مجرد منصب شرفي لا قيمة له.. يشغله الطامعون في المال والجاه والسلطة وليس أرباب العلم والفضل والشرف.
لقد شهد الرأي العام بأن مشروع قانون الأزهر صار موصوماً بسوء السمعة.. ويبقي علي مجلس النواب أن يتبرأ منه ويرفضه علانية وينحاز لإرادة المصريين التي تدعم الأزهر وتحترم عمامته ورسالته.. وترفض أي مساس بمكانته.. فمصر لا تكون مصر إلا بالأزهر.. والأزهر لا يكون الأزهر الذي يعرفه الناس إلا في مصر.