محمد الرميحى
هل ثمة سياسة أمريكية جديدة فى الشرق الأوسط؟
تقترب المائة يوم الأولى من حكم الرئيس دونالد ترامب من الانتهاء ، وهناك تراث فى العمل السياسى الأمريكى ان المائة يوم تلك تحسب لصالح الإدارة أو ضدها، معتمدة فى الحساب على ما استطاعت الإدارة ان تحقق من وعودها للناخبين، ليس مهما للقارئ العربى ان يخوض فى إنجازات او إخفاقات الإدارة فى الداخل الأمريكي، لأن ذلك له علاقة بالساحة الداخلية، ربما ما يهم القارئ العربى هو توجهات الإدارة الجديدة فى القضايا التى تلامس مصالح دول وشعوب المنطقة. ورثت الإدارة الجديدة حملا ثقيلا من إدارة الرئيس باراك أوباما الراحلة، ولعل هناك ثلاثة ملفات كبرى واجب النظر اليها بعد انتهاء المائة يوم الأولى ولهما علاقة بالشرق الأوسط، منطقتنا الموبوءة اليوم بالإرهاب، والمُثقلة بالمشكلات الاقتصادية والحياتية.
الملف الأول ما عرف بالربيع العربى ، فقد وقفت إدارة أوباما فى احسن الاحوال ( حاثة على التغيير عن بعد) فقد اوحت الى الكثيرين فى الشرق الأوسط انها مع التغيير، ولكنها وقفت بعيدا عن أحداثه دون استراتيجية واضحة ، فحصل ان اختلطت الملفات وشاعت الفوضي، فى ليببا وقفت الإدارة الاوبامية موقف المتفرج (القيادة من الخلف) كما سمتها وفى مصر اوحت بانها مع التغيير ولكنها سمحت ان لم نقل باركت التوجه الى حكم شبه دينى لا يحمل أيا من ملامح الحداثة او مشروع مدنى للتغيير، وفى سوريا تركت الأمور تتفاقم حتى أصبحت الساحة السورية تعج بالإرهاب وتفرز ملايين المهجرين وعشرات المليشيات من كل حدب وصوب ، وفى اليمن كان ترددها الواضح فى حسم الأمور مدعاة للضجر، فقد استمرت فى انكار التدخل الإيرانى هناك حتى خراب خطط المجموعات السياسية اليمنية فى توجيه بلادهم الى مرفأ الأمان، وتم الانقلاب من الداخل على خطط الإصلاح بمساعدة نشيطة من ايران . الإشارات القادمة من الإدارة الجديدة واضحة فى بعض معالمها ، فهى تعترف بكل وضوح بدور سلبى لإيران فى اليمن ،وتساعد على كف يد النظام الإيرانى هناك، كما تقف موقفا حازما من استخدام العنف المفرط فى سوريا ومن تدخل المليشيات الخارجية فى الساحة السورية، وتقوم بدور نشط فى محاربة الإرهاب فى كل من العراق وسوريا، كما تبتعد عن الموقف السابق فى الحديث عن خيارات للمجتمعات العربية على مقياس الأوهام الرفيعة التى تبتنها الإدارة الاوبامية السابقة.
الملف الثانى هو ايران، كانت الإدارة السابقة تحمل مشروعا لإيران يحمل اما جهلا أو سذاجة، فقد راهنت فى احسن الاحوال على ان اتفاقا لتقليص قدرة ايران لإنتاج سلاح نووى واخراجها من قائمة المحاصرة الاقتصادية، سوف تجعل من الشعب الإيراني، وجله من الشاب، ينتفض ضد حكم الولى الفقيه، وتبين ان ذلك الموقف السياسى اما مبنيا على سذاجة او قلة فهم لطبيعة النظام القائم على أفكار دينية ومذهبية صلبة ! لم تشترط الإدارة الامريكية السابقة ان يكف النظام عن: أولا التدخل فى الجوار ،وثانيا التوقف عن انتاج صواريخ بعيدة المدي، على العكس من ذلك قرأالنظام الإيرانى موقف الإدارة الاوبامية على انه موافقة ضمنية لإطلاق يد طهران فى المنطقة، فتوسعت اعمال ايران فى العراق وسوريا واليمن ولبنان، بل تجاوز ذلك الى حرق سفارة المملكة العربية السعودية فى العاصمة الإيرانية، تجاوزا لكل الأعراف الدبلوماسية والدولية. واضح من موقف الإدارة الجديدة انها تقلب الصفحة، بل تقول على لسان اكثر من مسئول فيها بوضوح تام ان ايران (ذات طبيعة تدميرية ) فى المنطقة، وانها خلف الكثير من اعمال الإرهاب، بل تمول وتدرب جماعات إرهابية وتوجهت الإدارة الجديدة الى الكشف عن ملفات سابقة لها علاقة بالإرهاب فى العراق قامت بها ايران ضد جنود التحالف الدولى هناك ، كما ابانت للقيادات العراقية التى زارت واشنطن موقفها الرافض والمعارض للدعم الإيرانى الذى تتلاقاه بعض المجموعات المسلحة والتابعة نظريا الى الحكومة العراقية. هذا الملف سوف يتصاعد فى الأشهر القليلة القادمة باتجاه التضييق الاقتصادى على طهران والحصار الدبلوماسى الدولى ومقارعة وجودها فى كل من سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى فى المنطقة العربية.
الملف الثالث هو سوريا، وقد وجد العالم ان هجوما بالكيماوى على خان شيخون استلزم الرد السريع والمباشر من الإدارة الامريكية الجديدة، كما تم تصعيد المتابعة والحصار لكل من يشتبه ان كان له يد فى تصنيع او نقل تلك الأسلحة المدمرة، وقد رشح أيضا ان برودا دبلوماسيا قد ظهر فى العلاقات بين روسيا الاتحادية والإدارة الامريكية الجديدة بسبب عدد من الملفات الدولية، من بينها الملف السوري، الذى ترغب الإدارة الجديدة ان يوضع على مسار سريع للحل الجذرى يخرج جماهير الشعب السورى من الضياع، ويمنع المرض السورى السياسى من الانتشار فى الجوار!.
الملف الرابع هو الحاجة الى حلفاء قادرين وراغبين فى المساعدة لتخليص تلك الملفات من مستنقع الإرهاب و التشرذم و الفوضي، هنا تأتى زيارة الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى واشنطن، و أيضا زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لها بعد ذلك، عصب الرافعة للخروج من النفق المظلم فى منطقتنا هما المملكة العربية السعودية و مصر ، طبعا بجانب الاشقاء فى الخليج والأردن. وقد نوه كاتب المقال فى اكثر من مرة هنا على أهمية هذا المحور ، لعدد من الأسباب، أولها ان جهود الحرب على الإرهاب هى جهود إقليمية وليست محصورة فى دولة واحدة، لان هناك نوعين من الإرهاب، الأول الفكرى ، وهو الحاضنة الاوسع ، والثانى العُنفى و هو الأداة المنفذة، ويحتاجان الى جهود جماعية لمواجهتهما . هذا المحور الذى توج بالزيارة الأخيرة للرئيس السيسى الى الرياض هو المرتكز للنهوض من هذه الكبوة وإخراج الإقليم من بحيرة العنف والدم التى اصابتها فى السنوات السبع العجاف التى مرت بنا حتى الان، دون هذا المحور فإن الخسارة شاملة. واضح من سياسيات الإدارة الامريكية و زيارة كبار مسئوليها انها بصدد توجهات مختلفة، ليس من بينها التفرج على المشكلات النازفة، ولكن المساعدة فى وقف النزيف الذى طال وهأ بيئات حاضنة لأشكال مختلفة وهمجية من الإرهاب والرعب. التوجه الأمريكى الجديد يحتاج الى شريك ، يتمثل فى هذا المحور الذى ما فتئ كثيرون يتمنون قيامه ، على ان ينظر الى الصورة الكاملة، وليس الى الصورة المصغرة، فالمعضلة التى نواجها كعرب هى فرقتنا واعتقاد البعض انه ناج من العواصف الهوجاء، ان تصرف بعيدا عن غيره، تلك نظرة قاصرة ومضرة فى نفس الوقت حاليا وفى المدى المتوسط والبعيد، فقانون الكل اكبر من مجموع اجزائه، ينطبق على الطبيعة كما ينطبق على السياسة، وهو قانون ما ان يفهم جيدا من السياسيين حتى تتبين قيمته الكبرى للأوطان، فإن ساعدنا انفسنا نستطيع التشارك مع الأصدقاء للتغلب على ما نواجه من مخاطر،ولكن ان لم نفعل فلن نتوقع الكثير منهم!.