الوطن
رحاب لؤى
يا رب تبقِى رئيسة تحرير
قبل خمس سنوات كانت البداية، داخل طرقات المبنى متعدد الطوابق، كنت أشعر بالضآلة الشديدة، حين أتيت لتقديم أوراقى للمرة الأولى، بحسب الأوراق كان قد مر عامان على تخرجى، وعلى أرض الواقع كنت أعمل لخمس سنوات، منذ العام الثانى بالكلية، وحتى أتيت للعمل بـ«الوطن»، لكن تلك الفترة التى تبدو طويلة بعض الشىء لم ترتب لى أى حقوق تذكر، مادية كانت أو معنوية، لذا كنت قد قاربت على فقدان الأمل فى المهنة التى حلمت منذ الصف الرابع الابتدائى أن أكونها ولم أر نفسى فى أى وظيفة سواها.

خلال أشهر قليلة حظيت بما لم أحصل عليه لسنوات، احتراف مؤسسى وتعامل محترف، لكن بدا أن المسألة لم تتعلق قط بـ«كارنيه» لجريدة أو نقابة، كما لم تتعلق فقط بتعيين من عدمه، ظل السؤال يراودنى طويلاً «ماذا بعد؟!» وقد كان سؤالاً صعباً بحق.

أتذكر تلك الدعوة من إحدى السيدات المسنات عقب نشر موضوع لها «يا رب تبقى رئيسة تحرير» توقفت أمامها كثيراً، هكذا اهتدت السيدة إلى ما خمنت أنه حلم لى، لكننى فاجأتها بأنه ليس من بين أحلامى، مع ذلك انخرطت فى التفكير، ففى مهنتنا ليس ثمة تدرج وظيفى محكوم بفترات زمنية واضحة، البعض يظل «محرراً» للأبد، والبعض الآخر يرى أن منتهى طموحه أن يصبح «رئيساً للتحرير»، لكن السؤال ظل، هل أى من هذا أو ذاك يشبع الطموح والروح؟

تجربة لخمس سنوات، حصلت خلالها على جائزة فى التفوق الصحفى، وكثير من الثناءات والاحترام لموضوعاتى جعلت الرؤية أوضح كثيراً لما أريده حقاً، مساحة حرة للنشر، إدارة تحرير تحترم الصحفى والمادة المقدمة منه وتقدرها، ورغبة حقيقية فى الوصول إلى قارئ يمسك بالجريدة فيجد نفسه على صفحاتها حقاً، هذا ما حاولت وتحاول مؤسستى القيام به، عقب توفير الحقوق اللازمة للعاملين بها، فيتمكنون بدورهم من الحديث حول حقوق الناس، أجدنى وسط الكتيبة أسعى لما يسعى له الجميع «الأثر» و«النتيجة» التى تحول الكلمات إلى واقع ملموس يفرح به المحرر تماماً كما يفرح به رؤساؤه.

تجربة ممتدة عملتنى أن الحصول على الحقوق يتبعه مزيد منها، ويعطى صاحبه القوة لكى يتحدث ليس عن نفسه فقط ولكن عن الآخرين، وهذا ما لا توفره عشرات المؤسسات التى يتحدث العاملون بها عن حقوق الآخرين دون أن يحصلوا على تلك التى تخصهم، يبقى كل من «الأثر» و«النتيجة» هو الهدف الحقيقى، استجابة من وزارة أو حى لمشكلة كتبت عنها، إنقاذ لمشرد أشرت إليه، مساعدة لحالة إنسانية تستحق، هنا يتحول «الكلام» إلى «حقيقة»، فأدخل أنا إلى تلك الحالة السحرية من السعادة والبهجة والشعور بالجدوى مع إيمان عميق بأن الدعاء الأصح لا يجب أن يكون بشأن رئاسة تحرير، ولكن بصيغة أخرى «يا رب شغلك يجيب نتيجة».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف