المساء
مؤمن الهباء
شيخ الأزهر .. يمثلني
احتفت مصر احتفاء كبيرًا مستحقًا بزيارة بابا الفاتيكان.. فالرجل يمثل رمزًا عالميًا مهمًا.. وزيارته في هذا التوقيت تقول للقاصي والداني مثلما قال هو "إن مصر أرض السلام والأمن والأمان.. وعلي أرضها المباركة يعيش الناس من كل المِلل والأديان منذ مئات السنين في نموذج راق ونادر للتعايش والتسامح.. وما يقع فيها من جرائم إرهابية بين الحين والآخر حوادث طارئة دخيلة علي المصريين ليست أبدًا من طابعهم.
وقد حملت كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في استقبال البابا براءة الإسلام والمسلمين في مصر من هذا الإجرام الإرهابي الدنيء.. في أسلوب جميل ومنطق يقبله العقل السليم.. لم يعتمد علي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي لا يؤمن بها الضيف وحاشيته.. وإنما اعتمد علي التاريخ والمنجز الحضاري للمسيرة الإنسانية التي تشترك فيها الشعوب والحضارات.
كان استهلال الشيخ لكلمته ذكيًا وشجاعًا بالإشارة إلي أن تجارة السلاح وتسويقه وضمان تشغيل مصانع الموت سبب غياب السلام في العالم.. وتلك لمحة مهمة إلي دور ومسئولية الدول التي تصنع السلاح وتجربه وتتاجر فيه عن هذه الموجة الإرهابية التي تجتاح عالمنا العربي والإسلامي تحت لافتات مختلفة.
ثم كانت الإشارة التالية إلي أهمية ألا نحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك.. فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأولوها تأويلاً فاسدًا.. ثم راحوا يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء.. ويجدون من يمدهم بالمال والسلاح والتدريب.. والمسيحية ليست دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح.. وليست اليهودية دين إرهاب بسبب توظيف تعاليم موسي عليه السلام في احتلال أرض فلسطين وتشريد الملايين من أهلها.. كما أن الحضارة الأوروبية ليست حضارة إرهاب بسبب حربين عالميتين اندلعتا في قلب أوروبا وراح ضحيتهما أكثر من 70 مليون قتيل.. ولا الحضارة الأمريكية حضارة إرهاب بسبب ما اقترفته قنابلها من تدمير البشر والحجر في هيروشيما وناجازاكي.. هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان ونهج الحضارات.. وهذا الباب من الاتهامات لو فتح كما مفتوح علي الإسلام الآن فلن يسلم دين أو حضارة ولا تاريخ من تهمة العنف والإرهاب.
ولا أظن أن رسالة شيخ الأزهر هذه موجهة للخارج فقط وإنما قصد أن تصل إلي أهل الشطط في الداخل أيضًا الذين بالغوا في التعريض بالآيات والأحاديث واتهموا الأزهر وشيخه ومناهجه وطالبوا بإلغاء حصة الدين في المدارس وتصدوا لصلاة الجماعة التي يقيمها الطلاب في الاستراحة.
وانتقد شيخ الأزهر تجاهل الحضارة الحديثة للقيم الدينية وأهمها قيم الأخوة والتعارف بين الناس والتذكير بأن الخلق عيال الله وأحبهم لله أنفعهم للناس.. ومما يثير الإحباط أن الصراعات المسلحة وجرائم القتل الجماعي والغزو تحدث في القرن الواحد والعشرين قرن التحضر والرقي وحقوق الإنسان والتقدم العلمي الهائل ومؤسسات السلام ومجالس الأمن وتجريم استخدام القوة.. بل عصر المذاهب الاجتماعية والفلسفات الإنسانية والتبشير بالمساواة المطلقة ومجتمع الطبقة الواحدة والحداثة اللا دينية وما بعد الحداثة إلي آخر هذه المنجزات الاجتماعية الفلسفية التي يتيه بها عصرنا الحديث.
لقد تحدث شيخ الأزهر في هذا المقام حديث المفكر الذي يعيش عصره ويلم بما يعتمل فيه من أفكار وفلسفات ونظريات ولم يتحدث فقط كعالم دين كبير ولذلك استحق أن ينصت له البابا يحترم منطقه.. وكل من سمع أو سيسمع هذا الكلام سيدرك أن في مصر عقلاً كبيرًا يقود ركب الأزهر في زمن التحديات الكبيرة.
شكرًا شيخ الأزهر.. أنت تمثلني.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف