الأخبار
محمد السعدنى
بين الحتم والاختيار
قانون الطبيعة حتم، قانون الحياة اختيار، وما بين الحتم والاختيار يعيش الإنسان. ولعلك سائلني كيف؟ والإجابة: قانون الطبيعة حتم لايعرف الاستثناء، وهو رغم تجدد الحياة إلا أنه ثابت قاطع لايتغير. فتعاقب الفصول حتم،ولا يمكن للشمس أن تشرق يوما من الغرب، ذلك أن بزوغها من الشرق حتم، وكذا تعاقب الليل والنهار حتم،»‬لاالشمس ينبغي لها أن تدرك القمرولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون. يس 40» الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان. الرحمن 5». هذا هو قانون الطبيعة الذي لايسمح للتفاحة أن تطير، إن هي إلاتسقط علي الأرض حيث الجاذبية وقوانين نيوتن التي لاتعرف التساهل والمجاملة. القانون في الطبيعة هو الأساس وليس للمصادفة دور أو احتمال إلا في أذهان المكابرين الذين يدعون حكمة قانون المصادفة ويسمونه التصميم الذكي.
قانون الطبيعة ليس كقانون المرور فهولا يعرف الواسطة والمجاملة، والإنسان أياً ما يكون خاضع لهذا القانون، الذي رغم وحدته وتماسكه إلا أنه مقسم إلي أبواب حيث قوانين الفيزياء والكون وحركة الأجرام السماوية، والجاذبية، والمد والجزر وعلوم طبقات الأرض والكيمياء والذرة ومكوناتها ونظريات الكم والديناميكا الحرارية وعلوم البيولوجيا والاستنساخ والنسبية وغيرها.
في قانون الطبيعة باب كبير يسمي »علوم الوراثة »‬ وقد اشتقت منه العلوم الحديثة مستجدات علمية مثل التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، تلك التي أحدثت الإستنساخ ومفاهيمه الجديدة إلا أنها لم تخرج أبدا عن قانون الطبيعة وحتمه. ففي استنساخ النعجة دوللي في معهد روزالين بالمملكة البريطانية لم تعط تجربة »‬إيان ويلموت» من النعجة إلا نعجة، هي لم تنتج فيلاً أوزرافة أوغزالة أوقرد أوبقرة. إنه قانون الوراثة الذي يحدد لون الإنسان وطوله ولون شعره وطبيعته، ناعم أومجعد، وكذا لون العينين، ونوع الجنين ذكر أوأنثي.
إذن من حيث الطبيعة والجسم والتكوين والشكل فالإنسان رهن للقانون، وهو مغلوب عليه من الطبيعة وحتمها الذي ليس فيه اختيار. أما شأنه في الحياة ومسيرته،ومهما تشعبت دروبها فهي رهن لاختياره ومشيئته. إن شاء خيراً فخير وإن اختار شراً فشر. هكذا قانون الحياة اختيار. من جد وجد ومن طلب العلا سهر الليالي، أسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا واقرعوا يفتح لكم.
في الحياة أنت الذي يختار، أن تكون متفوقا في دراستك فهذا رهن بقدرتك علي المذاكرة والفهم والتحصيل، تماماً كما هو اختيارك أن تكون ملتزماً أو عاصياً. أن تكون سياسياً موالياً أومعارضاً فهذا اختيارك، وأن تجيد لعبة السياسة فتتسلح بالعلم والتجربة والخبرة والمعرفة أوتظل شخصا باهتا بلا روح أوهوية أومبادرة،حتي لو صرت وزيراً، فهذا أيضا اختيارك، ولا تلومن إلا نفسك إذا خرجت من ملعب الحياة الكبير مهزوماً كل مرة لم تحقق هدفاً واحداً، فهذا نتاج عملك وسوء تقديرك وعدم قدرتك علي تجاوز اختبارات الحياة والوجود. إذا أعجبك أن تكون دائماً في مقاعد المتفرجين فلا ينبغي لك أن تحلم يوما بدور البطولة في فيلم الحياة ومسرحية الوجود،هنا حسبك الفرجة فقط ومصمصة الشفاة. إذا كان هذا ما تفعله الآن فاعلم أنك لم تسمع نداء الحياة ولم تنهض لديك همة علي العمل والفعل والمبادرة. إنه الاختيار. ومن أسف أننا لانحسن الاختيار ثم» نلوم زماننا والعيب فينا». العيب عيبك، فأنت الذي أغلقت سمعك وبصرك وعقلك عن الرؤية والتفكر ونفسك عن التدبر وإرادتك عن الاحتمال والعناد و»المعافرة».
باختيارك أنت الذي تحدد قيمتك، فكلما ارتفع سقف طموحك وثقافتك حققت في مسيرتك أشياءً تعتز بها، وهو اختيارك لأن تعطي حياتك عمقاً وبعداً جديداً، إقرأ حاول تعلم، تفاعل اشتغل ونظم وقتك واسأل نفسك ماذا أضفت إليها اليوم وماذا أضفت إلي عملك ومستقبلك ومجتمعك وأسرتك ووطنك؟. ماذا قرأت مؤخراً وأي فيلم شاهدت وأي مسرحية أثرت فيك وأي »‬كونسير» في الأوبرا أعاد صياغة مشاعرك من جديد، وأي ندوة سياسية أوعلمية شاركت فيها، أي جريدة تحرص علي قراءتها وأي قضية عامة شاركت فيها برأي أوفكر أوعمل؟ إذا كانت لكل هذه الأسئلة إجابات عندك فأنت بالفعل إنسان تستحق أن تعيش وأن تكون. أما إذا لم تكن لديك إجابات واضحة فأنت الذي اخترت أن تكون واحداً من كثيرين لا يميزهم في سلم النشوء والإرتقاء والتطور كما عند »‬دارون» إلا مظاهر العيش من حيث الأكل والشرب والتنفس والتزاوج والفناء بلا قيمة مضافة للحياة والكون والفكر والمجتمع والناس. عندها لن يتوقف أحد عندك أو يعيرك اهتمامه، وعندها لايحق لك أن تفتي في شئون الدنيا أوتطلب من الآخرين احترامك. فاحترامك بماتقدمه وماتتركه من أثر. وليس في ذلك محاولة للاستعلاء علي البسطاء والعامة، أولئك الذين لم يحصلوا قسطاً من التعليم، لكنهم مصنفون حسبما يؤدون. فمنهم الصانع الماهر والحرفي الدقيق وهم في كل الاحوال يتركون أثراً إيجابياً بأعمالهم يقدره المجتمع ويحترمهم من أجله. أما إذا كانوا من ذوي التفاهة والسطحية فلايلومون إلاأنفسهم.
العبرة ليست في وظيفتك أومهنتك وطبيعة عملك، بل في كيفية أدائك، هذا هو المعيار وهو مؤشر الاختيار، وفي كل الأحوال فلا يزال الباب مفتوحاً أمامك ويمكنك دائماً أن تحاول وأن تبدأ وأن تسأل وأن تتعلم.
وهكذا أحسبني قد أجبت علي كثير من تساؤلات القراء ورسائلهم، وليعذرني من لم أكاتبهم بعد فالرسائل كثيرة جداً والوقت سيف قاطع والأيام ملأي بكثير من المستجدات يصعب معها ملاحقة كل شئ، وأنت مهما كانت طاقتك، لاتزال محدودة أمام الوقت وتجاوزات البعض وسخافات الآخرين ومفاجآت بعض المسئولين ممن يتحفوننا كل يوم بممارسات عجيبة وتخريجات أغرب. وهكذا بينت لك أنك تعيش عمرك ومسيرتك بين الحتم والحرية، وجودك وتكوينك المادي حتم »‬أنت مسيرفيه»، وحياتك وشخصيتك وقرارك وانحيازك هو اختيارك »‬وأنت حر فيه».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف