الأهرام
فريدة الشوباشى
معايير مقلوبة
أتابع باندهاش حقيقى ما يكتبه البعض هذه الأيام تعقيبا على قسم الرئيس السيسى بأنه لن يبقى دقيقة واحدة فى موقع الرئاسة إذا ما كان ذلك مطلبا مصريا..لا شك أن من تختلف رؤيتهم عن رؤية الأغلبية الساحقة من الشعب قد حاولوا قلب المعايير التى استقرت فى الضمير العالمى منذ قرون ،وأعنى بها ،اختيار قائد للدولة،خاصة فى اللحظات الحرجة التى تواجه الوطن ،أو عندما يكون فى مفترق طرق ،احدهما طريق السلامة والآخر طريق الندامة..

لقد فرض الشعب ارادته على السيسى وحمله عبء الخروج بمصر من عنق الزجاجة الذى أُدخلت فيه بعد ثورة شعبية حقيقية ،تمت سرقتها والوثوب على الحكم بأغرب الوسائل واكثرها تدليسا وخداعا..كانت البلاد،إضافة الى الخراب الداخلي،شبه محاصرة بمخاطر التفتيت ..ولم يعد مخطط تمزيق الوطن العربى الى دُويلات عرقية وطائفية بالأمر الخافي، وهو ما جعل ما بين خمسة وثلاثين الى اربعين مليون مواطن ،يخرجون الى الشوارع معلنين رفضهم القاطع لتقسيم مصر الى دويلات ،وهى التى ظلت بحدودها الواحدة،الموحدة، منذ آلاف السنين..واستدعت جماهير ثورة يونيو ،قواتها المسلحة ،درعها الأمين المكون من أبنائها وأشقائها، إلى الالتحام بها لحماية أم الدنيا ،وهو ما حصل على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وان كان ذلك المشهد الفريد والملحمي،لم يمنع اعداء وحدتنا الوطنية، من وصف يونيو بالانقلاب .

وقد أُجريت انتخابات رئاسية حصل فيها السيسي، على شبه إجماع اصوات الناخبين..ومعروف ان من أولوا السيسى ثقتهم ،كانوا مشفقين عليه من ثقل المسئولية ودقة الظرف الذى لم يسبق أن واجهته مصر طوال تاريخها،ولكنهم عقدوا العزم على مساندته للخروج ،معه وبقيادته،بالوطن الى بر الأمان.. ولقد اثبت السيسى طوال الشهور الماضية ،انه يفعل ما يقول ،وكلما حقق انجازا،اخذوا يولولون ،وينتقدون ما يتم من مشروعات باعتبارهم من النخبة الرفيعة من علماء الاستراتيجية وخبرائها..وكان الرجل يمضى ،مسلحا بثقة الجماهير،فى طريقه المحفوف بفساد عقود وتجريف ممنهج للوطن وتفشى المفاهيم الوافدة من الصحراء والتى تكالبت كل الجهود الشريرة لإشاعتها ،بهدف بث الفرقة بين المصريين،وفرزهم الى مسلم ومسيحي،وهو المشروع البريطانى الآثم منذ الاحتلال الكئيب،والذى لا يتورع البعض عن الجهر بالحنين الى عصره..واتساقا لهذا النهج ،العلنى احيانا والخبيث الخفى ،أحيانا أخري،انفجرت ماسورة النصائح القاتلة ،تطالب السيسى بعدم ترشيح نفسه لولاية ثانية!!.. وهذه أغرب نصيحة ،يدعى مطلقوها ،إنها «حبا !!» فى الوطن وتكريسا لمفهوم الديمقراطية وقيمتها..وديمقراطيتهم هنا،تقلب المعايير رأسا على عقب،فتطالب رئيسا حمل رأسه على كفه وواجه حكم الفاشية المتسترة بالدين الاسلامي،وعمل منذ اليوم الأول لرئاسة الدولة على انجاز مشروعات تساعد مصر على الخروج من حالة التردى التى وصلت لها،وسط حروب داخلية من الارهابيين واسيادهم فى الداخل،وحرب تفتيت دول الإقليم،لا سيما تلك المتاخمة لمصر،على أيدى القوى التي،كما اكدت هي،تريد تغيير خريطة الوطن العربى ،بتحويله الى «الشرق الأوسط الكبير !!» كما بشرتنا كوندوليزا رايس ،وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد بوش الابن..ولا افهم،وعذرى ان فهمى على قدي،كيف يطلب من قبطان قاد السفينة رغم الأنواء والعواصف ،بأكبر قدر من الحكمة وبما تيسر من امكانات شديدة التواضع،وفى ظل حروب السماسرة برفع الاسعار ارتفاعا مسعورا،واستمرار العمليات الإرهابية التى تستهدف جيش مصر وشرطتها وتقسيم أبنائها بين مسلم ومسيحي،كيف إذن يطلب من هذا القبطان الحائز على ثقة الأغلبية الساحقة،أن يتركنا فى منتصف الطريق،وان يأتى شخص لم يقدم ادنى دليل على صلاحيته ،لنسلمه القيادة،حتى «نحقق الديمقراطية !!».. ومن هنا يطالبنا هؤلاء» الحكماء» ان نعاقب القائد الناجح والمنتخب بأغلبية مطلقة ،للدخول فى تجربتهم الخبيثة،ولا أجد وصفا آخر ،فنحن فى لحظة فارقة،نكون أو لا نكون،دون نظريات مكتوبة بحروف اجنبية ولسنا فى حاجة ان يُجربنا أحد ،ليس من اختيارنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف