الوفد
عباس الطرابيلى
تحت البلاطة.. السيد المطاع
عندما يؤكد المالى الكبير محمد الأتربى، رئيس بنك مصر، أن المتعاملين مع البنوك لا يتجاوزون 5٪ من المواطنين، فهذا يعنى أن المصرى مازال يؤمن بنظرية «تحت البلاطة».. ولكن أساسها هو أن المصرى «عمومًا» لا يريد لأحد أن يطلع على حجم ما يملك.. ليس فقط خشية من الحسد، ولكن أيضًا لتوقعاته أن تفكر الدولة ـ فى أى عصر ـ أن تضع بعض العراقيل أو المسببات للتحفظ على أمواله.. ومن هنا فإن من أهم ما تردده البنوك هو الحرص على سرية الحسابات الشخصية.
ومن المصريين من يرون أن ينام.. وأمواله تحت رأسه.. أو أمام عينيه.. ولا يريد أن «ينكشف » أمام أى أحد.. ويروى لنا فؤاد باشا سراج الدين أن أحد مدراء بنك باركليز فى دمياط اشتكى له عندما كان وزيرًا للمالية.. أن البنك لا يجد عملاء يودعون عنده أموالهم.. ولذلك يفكر البنك فى إغلاق فرع دمياط، وكان ذلك فى منتصف الأربعينيات.. وهنا قلت للباشا ـ عليه رحمة الله ـ إن الدمياطى يفضل أن تكون ورشته «للنجارة» أو للأحذية.. أو حتى نول النسيج ـ زمان ـ تحت بيته.. حتى ينام مطمئنًا على مصدر رزقه ورزق عياله.. بل وقلت له إن الدمايطة زمان كانوا إذا فكروا فى التعامل مع أى بنك.. أن يكون هذا البنك خارج مدينة دمياط.. طلبًا للسرية.. ولا يراه أحد وهو يدخل أو يخرج من فرع البنك بدمياط!!
<< وخشية المصريين من التعامل ـ كما قال رئيس بنك مصر ـ تعود إلى سنوات بعيدة.. عندما كان المماليك ـ بعد ضعف دولتهم ـ يسمحون لجنودهم بمهاجمة البيوت والوكالات لينهبوا ما فيها.. لذلك لجأ المصرى ـ أيامها ـ إلى إخفاء أمواله ومجوهراته إما تحت البلاطة.. أو فى حوائط البيوت، وعودوا إلى مسرحية «إلا خمسة» للرائعين «مارى منيب وعادل خيرى» وحكاية البرج فى غرفة النوم.. وإلى فيلم رسالة إلى الوالى للمبدع عادل إمام واخفاء الأموال فى الحوائط.. وما هذه المسرحية وذاك الفيلم إلا تأكيد لظاهرة «تحت البلاطة» والتى يعبر عنها رئيس بنك مصر بأن نسبة المتعاملين مع البنوك من المصريين لا تتجاوز 5٪.
<< فهل ذلك بسبب الفقر.. أم الخوف.. أم لكى يلجأ إليها عند الضرورة فيجدها تحت الطلب، أقول ذلك بينما العالم كله يتجه ـ عمليًا ـ إلى عدم «اكتناز» المال السائل.. واصبح يتعامل بالكروت «الفيزا» فى كل ما يشترى أو يأكل أو يسافر.. وهذا هو سبب انتشار البنوك فى العالم كله.. وتسهيلات إصدار كروت الفيزا.. وغيرها.. فهل نتخلف نحن عن العالم حولنا أم هو نوع من الحرص يتميز به المصرى، دون غيره من الناس.. وهل ذلك أيضًا سببه انتشار ظاهرة اللصوص عندنا.. وشبه اختفائها في العام.. إذ لم يعد أحد ـ هناك ـ يدخر فى بيته إلا ما يكفيه للطوارئ.
<< وهل نحتاج إلى تغيير أسلوب حياة الناس عندنا.. وأن نطالبهم بايداع أموالهم فى البنوك، لكي تصبح أداة للتنمية ـ عن طريق البنوك ـ بدلاً من تركها تفقد قيمتها بفعل نظرية التضخم.. أم الحل هو زيادة الفوائد على الايداعات لنجذب الناس للتعامل مع البنوك وهذا ـ بالفعل ـ ما يفكر فيه البنك المركزى لجذب ودائع الناس.. بل هو ما دفع البنوك إلى السماح لأى شخص بفتح حساب بنكى دون تحديد حد أدنى لفتح الحساب.. أو أيضًا دون تحميل العميل أى مصروفات إدارية.
بصراحة.. كل ذلك هو السبب.. وبطلوا بقى تحت البلاطة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف