جمال سلطان
على هامش زيارة البابا فرانسيس
بعيدا عن صخب المشاهد الرئيسية في زيارة البابا فرانسيس ، بابا الفاتيكان ، للأزهر ومصر ، والصور "النمطية" مع الرموز الدينية والسياسية ، كانت هناك مشاهد وملاحظات أعتقد أنها مهمة في دلالتها ، أو هكذا أتصور ، ووددت أن أسجلها في تلك النقاط باختصار .
البابا فرانسيس يعامل كرئيس دولة ، لأن الفاتيكان دولة ، كما أن الفاتيكان الذي يرعى عدة مليارات من البشر في عموم الكرة الأرضية هي دولة بالغة الثراء ، ومع ذلك لاحظت أن البابا قام برحلته إلى مصر عبر الخطوط الجوية الإيطالية في رحلاتها العادية ، لم يستخدم طائرة رئاسية ، ولا حتى طائرة خاصة ، مجرد مقعد في الدرجة الأولى في رحلة تحمل عمالا وموظفين وسياحا ومغمورين من كل بلد ومهنة ، وبدون شك ، فإن هذا السلوك يمثل رسالة إيجابية أعتقد أنه يقصدها ، وتكشف عن نزوع للبساطة وعدم التكلف والسرف رغم القدرة عليه .
في إطار البساطة وعدم التكلف ، لاحظت أن ثياب البابا فرانسيس فيها بساطة حقيقية ، وبعد عن البهرجة التي اعتدنا عليها في الشرق ، فالزي مجرد ثوب أبيض بسيط ، وطاقية رأس صغيرة بيضاء ، ووجه مبتسم وبدون أن تكون له لحية تصنع الهيبة المعتادة لرجال الدين ، تلك البساطة تختلف عن ما نشاهده في الشرق ، من بهرجة كبيرة وثياب مزركشة وإضافات من الذهب والألوان المختلفة والعصي الذهبية أو المطلية بالذهب والطيلسانات فوق الرؤوس ، في أبهة مبالغ فيها ، والحقيقة أن هذا الفارق في البساطة بين الشرق والغرب اليوم ، ليس وقفا على رجال الدين ، بل حتى على رجال السياسة والعسكرية أيضا ، فكثيرا ما ترى الزعيم العربي أو الأفريقي وهو يضع على صدره وكتفه أثقالا من النياشين والرتب والصولجانات بالألوان الذهبية والفضية والحمراء والصفراء ، وهو مظهر لا تجد له مثالا في الغرب أبدا ، لا يمكن أن ترى رئيسا في الغرب وهو يتباهى أمام الكاميرات وأمام الناس بهذه الزينة والعلامات والمزركشات والأبهة .
اللقاء الذي جمع البابا فرانسيس بشيخ الأزهر كان مختلفا عن أي لقاءات مسيحية إسلامية شهدتها القاهرة ، كنت ترى وتحس صدق التواصل والرغبة في إزالة أي شكوك أو ظنون أو نزاعات ، وللمرة الأولى ـ على حد ذاكرتي ـ التي نشهد فيها هذا الاحتضان الأخوي التلقائي والعفوي والمترع صفاء بين شيخ الأزهر وبين رمز ديني مسيحي كبير بحجم البابا ، كأصدقاء حقيقيين ، وصورة هذا الاحتضان التي حرص البابا فرانسيس على أن يضعها في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي ، اعتزازا بها وابتهاجا ، ستظل عالقة في الأذهان سنوات طويلة ، وأرجو أن تكون المراجع المشرقية في مستوى ذلك الصفاء والعفوية .
على الرغم من أن شخصية البابا فرانسيس وموقعه ينحصر في كونه رجل دين ، إلا أنه حرص خلال مقابلته الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن يناقشه في ملف الباحث الإيطالي المغدور "جوليو ريجيني" ، ومن الواضح أن البابا حمل رسالة مهمة وأن الحوار تطرق إلى تفاصيل عديدة في تلك القضية ، وهو الأمر الذي بدا من إشارة البابا أنه يحترم خصوصية الكلام الذي دار مع السيسي في تلك القضية ، وأنه لن يفصح عنه ، بما يعني أنه كلام حساس وخطير ، وليس مجرد "فض مجالس" كما يقول العامة في لغتهم ، والملاحظ أن قادة الدول أصبحت تتعامل في قضايا مواطنيها في مصر مع السيسي مباشرة ، دون التفكير في أي مؤسسات أو أجهزة ، وهذه هي المرة الثانية التي يتم التفاوض فيها مع السيسي مباشرة حول ملف قضائي ، الأولى موضوع آية حجازي التي أحرجنا بها الرئيس الأمريكي الذي تباهى أمام أنصاره بأنه أنهى موضوع الإفراج عنها مع السيسي سريعا ، والثانية في تصريحات البابا بأنه تشاور مع السيسي في ملف ريجيني ، والملاحظ أنه في كلتا الحالتين لم نسمع أي تعقيب من أي جهة رسمية على هذا الكلام .