أشرف العشرى
شهادة البابا ورسالة عتب مصرى للأمريكان
في الوقت الذي شاهد وتابع العالم مواقف وأقوال وحكمة البابا فرانسيس وحديثه المفعم بالتقدير والعرفان والاعتراف بالدور الأكبر لمصر علي مدي يومين في حماية الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتوفير الملاذات والاحتضان اللازم لملايين اللاجئين في الإقليم واندماجهم دون عوائق وليس خياما أو معسكرات الإغلاق علي الحدود بل الإقامة والعيش داخل جنبات الوطن مصر وبين أبناء شعبه.
ناهيك عن العرفان والولع بعظمة وضرورات الدور والمكانة لمصر ومؤسساتها، سواء الأزهر الشريف والكنيسة القبطية في حماية قيم التسامح والعيش المشترك وإعلاء لغة الحوار والمواطنة والتصدي للارهاب والعنف وغيرها الذي جعل من هذا الوطن مصر نموذجاً للتعايش وأمثولة للتحضر وحرية الأديان والمعتقد وضابطا لإيقاع الاستقرار والأمن في الإقليم بفضل تنويعاته وأدواره المتكاملة وتاريخه وحضارته التي قال عنها وحكي بها بابا الفاتيكان ليس في الحضارة الدينية بل العلمية والفكرية والثقافية التي تولدت علي ضفاف النيل.
ومايفخر به المصري ويعتز بتاريخه ويولد إشعاع أمل في مستقبله ويجعل بلده استثنائياً بين دول الإقليم اليوم وغداً هو تلك الشهادة التاريخية لبابا روما مهما تكن الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي حتما ستنتهي آجالها ويحقق هذا الوطن النهضة المنشودة طالما أن هناك عملا وجهدا ومشروعات عملاقة تنفذ وبرامج وأهداف استراتيجية تتحقق كل يوم بين ربوع هذا البلد.
وأعتقد أن كل تلك الشهادات الصادرة عن أكبر مرجعية مسيحية في العالم للحبر الأعظم قد رأها وأدرتها واستمع بإنصات العالم إليها مدركاً حقيقة وعمق وثراء هذا الوطن مصر وعظمته، ويكفينا اعتراف البابا بأننا أصحاب أول وأرفع حضارة قادت ركب حضارات العالم.
كان القصد من تلك المقدمة الطويلة لأقارن بين ما قاله وتغني به بابا الفاتيكان وما فعله وتحدث عنه بشأن مصر وتلك الأفعال والممارسات التآمرية التي قام ومازال يقوم بها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وبعض نفر من الكونجرس عموماً حينما نصبوا جلسات محاكمة غير عادلة أو مقبولة بحق مصر في الأيام الماضية وما هو منتظر وقادم أيضا قبل إقرار عدة ملايين وأرقام هزيلة شابها التخفيض مرات عديدة كمساعدات اقتصادية سنوية.
ومن خلال متابعتي وقراءتي لمجمل السرد الذي قدم خلال جلسات الشيوخ الأمريكي وشهادات بعض المتخصصين والباحثين الذين تم الاستعانة بهم من معاهد ومراكز أمريكية مازالت تحمل مواقف وتوجهات راديكالية وسلبية عن مصر وذات توجه أحادي ينتصر للفوضي وتغذية التطرف وتوفير غطاء للعنف عبر جماعة الاخوان الارهابية وبعض الحركات المشابهة بحجة حقوق الإنسان وممارسات الديمقراطية، حيث معظم الشهادات التي قدموها عن مصر عفي عليها الزمان وباتت في الماضي وأصبحت خلف ظهر المصريين. ومن أسف بدا لي أنهم لم يعد يتابعون الشأن المصري وتطوراته هذه الأيام بجدية ومتابعة رصينة دقيقة وبعقل مفتوح وأفق ممدود بل غلقوا عقولهم وقلوبهم عند مصر فترة الستعينيات وحتي العام 2010 ولم يدركوا بعد أن الواقع في مصر بأكمله قد تغير وجرت في النهر مياه كثيرة.
وبالتالي فكل الشهادات التي قدمها أفراد مثل ميشيل دان وتوم مالينوسكي وإليوت ابرامز كانت مسمومة، حيث بدا لي أن مجلس الشيوخ قد سقط في قاع الخيبة والخسارة عندما يخصص تلك الجلسات علي غرار عمل الندابات للنيل من مصر دون وقفة مع العقل وجوهر المصالح الاستراتيجية لأمريكا وماذا تمثل لها مصر ناهيك عن الدور والحضور الاستراتيجي والثقل الإقليمي لهذا البلد مصر في توفير الاستقرار وركائز الأمن والحماية ونسج الاعتدال وضبط ومطاردة وملاحقة العنف والتطرف وضبط إيقاع التغول والفوضي في إقليم الشرق الأوسط حيث كان يجب عليهم كأعضاء وأصحاب شهادات خبرة في الكونجرس أن يوسعوا دائرة الرؤية والحركة ليروا ماذا يحدث في الإقليم وما الذي تفعله سياسة الاعتدال والحكمة التي تتبناها مصر ودعواتها للحوار وإنقاذ الدول الوطنية التي يضربها العنف، ووقف جولات الفوضي الجوالة وهزيمة المقاتلين الجوالين الذين يشعلون الحرائق المتنقلة وفرق الارهاب في دول ضربها وسحقها الارهاب حاليا. وماتفعله دول أخري في الإقليم مثل إيران وتركيا وغيرهما تغذي الارهاب والعنف وتوفر غطاء وممرات آمنة لفرق الإرهاب والقتل وعصابات الفوضي، ومن أسف خرجت دعاوي أعضاء الكونجرس وشهادات الباحثين الذين استضافتهم خلال جلسة مصر هناك للنيل من تلك المواقف المصرية بحجة أن مصر لم تشترك في قضايا وحروب سوريا والإقليم مثل غيرها.
وهذا الكلام مردود إلي أهله بأن مصر لم ولن تقوم بدور الجزار وداعمي الارهاب للنيل من وحدة وسلامة الأراضي واستقرار دول الإقليم، لأنها كانت ومازالت تري أن سلامة الدولة الوطنية ووحدة جيوشها الوطنية هي ضمانة للأمن القومي لتلك الدول التي تراه مصر جزءا من الأمن القومي العربي، وبالتالي كانت ولاتزال ترفض خوض حروب فاشلة وبالوكالة عن أمريكا وأوروبا وروسيا كما كانوا يريدوننا في أمريكا.
وبالتالي كنت ومازلت أتمني علي مجلس الشيوخ والنواب وغيرهما أن يستمعوا لأشخاص ومسئولين في إتجاهات مختلفة وليس لأصحاب إدعاءات بلا أساس ومكررة وتحريضية حيث إن كل ما قيل وينسج حاليا بشأن حجم المعونة الأمريكية بشقيها الاقتصادي والعسكري لا يتفق مع مرحلة التماهي والانسجام والقوة والتموضع الذي يربط العلاقات المصرية ـ الأمريكية وما اتفق عليه خلال قمة الرئيس السيسي مع ترامب أخيراً في البيت الأبيض حيث كانت ومازالت مصر هي الحليف الاستراتيجي ومنطقة مصالح حيوية واستراتيجية لعلاقات أمريكا بدول الإقليم، وبالتالي وجب عليهم الحفاظ علي ثوابت تلك المصالح والعلاقات بعيداً عن نغمة المساعدات والعزف علي وتر تخفيضها حتي لا تجعلوا مصر تتململ وترفض مثل كل هذه الابتزازات وتطالب يوما بإلغائها، وترفض أي هدايا أمريكية مسمومة. ولكن في المقابل أقول لهؤلاء في مجلس الشيوخ وقيادات الكونجرس عموما ماذا ستفعلون مع الارهاب وأنتم الذين في واشنطن غزيتموه وأوجدتموه بغزو أمريكا للعراق، وماذا ستفعلون مع فوضي المنطقة وتضرر مصالحكم، وهنا يجب ألا تنسوا أن مصر هي اللاعب والضامن الأول في صيانة وترسيخ السلام والاستقرار والتنمية بالمنطقة.