الأهرام
د. محمد يونس
الأزهر و رباعية مصر الحضارية
يندهش المرء من استهداف ثوابت ومفاصل الدولة بهجوم كاسح من جانب تيارات ومنابر محسوبة علي الدولة، نقول هجوما مرفوضا وليس نقدا منشودا، ألا يدرك من يقوم بذلك انه يهدم ولا يبني ، ويسهم في فوضي غير خلاقة، ماذا تنتظر عندما تنال من المؤسسة الدينية الوسطية التي دافعت ولا تزال عن الفكر الإسلامي المعتدل في العالم، ومن المستفيد من ذلك؟.. أليس الفكر المتطرف ودعاة العنف التي تخوض الدولة معركة لمواجهتهم؟ فهل إعلام الدولة ضد أهداف الدولة ؟

ما العلاقة بين التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا كنيستي مارجرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية.والهجوم علي الأزهر الشريف وشيخه بأسلوب فج ومرفوض لا يناسب مكانة المؤسسة في قلوب المصريين جميعا بمن فيهم الاخوة الاقباط بل والعالم العربي والإسلامي باعتبار الازهر قبلته العلمية، ولا يليق برمزية شيخه المعروف بعلمه وأخلاقه ؟

التفجير الإرهابي استنكره الجميع وفي مقدمتهم الأزهر،أما الذين قاموا به فيمثلون تيار العنف والتطرف الذي يواجه فكريا تيار الوسطية والاعتدال الممثل في الأزهر الشريف وهو التيار العريض في الواقع الإسلامي اليوم ، ومن ثم فنحن امام خلط للأوراق ينم عن جهل بحقائق الأمور .

باستقراء مختلف العمليات الإرهابية، لم يكن من بينه منفذيها أزهري واحد ، فالإرهابيون لم يدرسوا في الأزهر وإنما تعلموا في مدارس أخري.

وجميع قادة جماعات العنف المتمسح بالدين لم يكن أحد منهم خريج الأزهر ، كما ان النزاعات التي وقعت وتسببت في فتن طائفية كانت بين مسلمين وأقباط عاديين ولم يكن أحد أطرافها أزهريا.

بل علي العكس فإن الفكر المتطرف المتمسح بالدين تم إنتاجه خارج مؤسسة الأزهر، ونما حينما ضعفت أو تم إضعاف تلك المؤسسة الدينية العريقة.

فالأزهر يقود علي مدي أكثر من ألف عام الفكر الإسلامي المعتدل “وهو اليوم قلعة متقدمة للدفاع عن مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والفكر الإسلامي المستنير وعن القيم الراقية في الثقافة والحضارة الإسلاميتين، وللوقوف في وجه الاستبداد بكل أشكاله، سواء أكان ذا طابع سياسي أم فكري ثقافي، أم يرتدي مسوحاً دينية، فهو يقف في وجه الهجمات التي تستهدف تمزيق النسيج الوطني المصري ونشر الفتنة الطائفية، كما يتصدّي، وبالمنهج الإسلامي السليم، للتيارات السياسية والدينية التي تهدد استقرار المجتمع ويسعي مَن يقف وراءها إلي الزجّ بمصر في دوامة العنف.” صاحب هذه الشهادة رئيس أكبر مؤسسة دولية متخصصة في الثقافة الإسلامية ، د. عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة المنظمة اﻹسلامية للتربية و العلوم و الثقافة وهو ليس أزهريا ولا مصريا وسجلها بمقاله “الأزهر قلعة الإسلام الحصينة” (الحياة 2 مايو 2013) الأزهر الجامع والجامعة بمنهجه وعلومه التي يتحامل عليها البعض اليوم ، خرج مئات العلماء وكبار القادة الوطنيين مثل محمد كريم وعمر مكرم وأحمد عرابي وسعد زغلول والعلماء الذين حملوا الفكر الإسلامي المستنير للعالم ومنهم حسن العطار ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وسليم البشري مصطفي المراغي ومحمود شلتوت وعبد الحليم محمود ومحمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي. ولعلمائه مواقف وطنية مشهودة لم تبدأ فقط بثورة القاهرة الاولي التي قادها شيوخه ( 20 أكتوبر 1798 ) ضد الاحتلال الفرنسي ، ولم تنته بموقف الشيخ عبد المجيد سليم الذي احتج علي تقليص الملك فاروق لميزانية الأزهر بينما كان الملك يستجم بجزيرة إيطالية ،ليسجل التاريخ مقولته الشهيرة”تقتير هنا وإسراف هنا”.

بل إن أول شيخ للجامع الأزهر صك بسلوكه في الدفاع عن حقوق الناس مصطلحا لا يزال قائما في العامية المصرية وهو(يا خراشي) فهذا المصطلح الذي يستخدم للاستنجاد يعود للشيخ محمد الخراشي ( 1601- 1690م) الذي كان نصير المظلومين ويقوم بإيصال مطالبهم الي الوالي العثماني فيهب اليه كل من وقع عليه ظلم قائلا (يا خراشي). الأزهر ليست مجرد مؤسسة دينية فقط وانما قلعة وطنية علمية تشكل أحد معالم الهوية المصرية ويعتبر أحد رابعية مصر الحضارية بعد الأهرامات الثلاثة.

نعم مناهج الأزهر قد تكون محتاجة للتطوير وهذا شأن أي مؤسسة تعليمية، يستوي في ذلك مختلف مؤسسات التعليم بمصر.فهل الأزهر استثناء عن حالة الثقافة والتعليم السياسية والاقتصاد بمصر، هل نحن متقدمون في هذه المجالات بينما يقف الأزهر خارج هذا السياق ؟

الأزهر أصدر بيانات عديدة تؤكد رفضه العنف والإرهاب بل نظم مؤتمرات كثيرة لمناقشة هذا الفكر والرد عليه ومنها عن مؤتمر عالمي عام 2014، حضره رؤساء الأديان والطوائف ورؤساء الكنائس بالعالم، لتحديد الموقف العالمي من التطرّف والإرهاب،والمؤتمرالذي عقده الأزهر أخيرا بعنوان المواطنة والحريات، و حضره 600 شخصية دولية، بمن فيهم رؤساء الكنائس في البلاد العربية. الذين يتناسون كل هذا التاريخ وتلك الجهود ويهاجمون هذه القلعة لا نملك أمامهم الا ان نقف مع جموع المصريين مستنجدين بمقولتهم الشهيرة (ياخراشي)!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف