الأهرام
د.أحمد سيد أحمد
نجاحات وإخفاقات ترامب بعد 100 يوم
شكلت فترة المائة يوم الأولى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب محطة مهمة لإعادة تقييم سياساته الداخلية والخارجية وما تحقق منها من نجاحات وما شهدته من تعثرات
وإخفاقات لتعكس مؤشرا مهما فى تحديد ملامح سياسة الإدارة خلال السنوات الأربع المقبلة.

وعند تقييم سياسة ترامب نجد العديد من النجاحات والإخفاقات أيضا وتتمثل فى:

أولا: أثبت ترامب نهجا مغايرا لإدارة أوباما فى إدارة ملفات السياسة الخارجية، حيث استطاع نسبيا استعادة هيبة أمريكا فى العالم ودورها فى النظام الدولى عبر إعلاء البعد العسكرى سواء تجاه سوريا بعد ضرب قاعدة الشعيرات الجوية على أثر استخدام السلاح الكيماوى ضد المدنيين, أو اللغة الحازمة تجاه كوريا الشمالية وبرامجها النووية وتطويرها الصواريخ الباليستية وذلك على خلاف لهجة التفاوض والتردد وعقيدة عدم الانخراط المباشر لدى أوباما, غير أن هذا الانخراط العسكرى كان أقرب للتكتيك واستعراض القوة وليس تعبيرا عن دور أمريكى فاعل وواضح فى معالجة الأزمات والصراعات الدولية بما يسهم فى حلها.

ثانيا: بدا ترامب بعد مائة يوم أكثر واقعية ورشادة ومسئولية وابتعد عن المواقف والتصريحات المثيرة للجدل خلال الحملة الانتخابية, حيث جعلته أعباء المسئولية وحقائق الأمور ودور المؤسسات الأمريكية أكثر معرفة بتعقيدات الأوضاع على الأرض داخليا وخارجيا, وأسهمت فى وضع سياساته الخارجية فى الإطار الأمريكى التقليدى الذى لا يختلف بتغير طبيعة الإدارة وهى المحافظة على الثوابت والمصالح الأمريكية فى العالم وأن يكون التغير فقط فى الآليات سواء القوة الصلبة مثل الحرب أو العقوبات أو الآليات الناعمة مثل الدبلوماسية والمفاوضات, حيث بدا ترامب أكثر ميلا للآليات الصلبة.

ثالثا: فيما يتعلق بوعوده الخارجية فقد نفذ بعضها مثل الانسحاب من اتحاد الشراكة عبر المحيط الهادى والكاريبى والتوجه نحو الانسحاب من منطقة التجارة الحرة (نافتا) التى تضم أمريكا وكندا والمكسيك, كذلك الانسحاب من اتفاقية التغير المناخى, واعتبر تلك الاتفاقيات مكلفة اقتصاديا بشكل باهظ للولايات المتحدة, لكنه تراجع عن بعض التوجهات مثل الموقف من حلف الأطلنطى, الذى تحول من الانتقاد كحلف عتيق إلى التقارب وتأكيد دوره فى مواجهة الإرهاب, أو التقارب مع روسيا, حيث تم تحجيمه, أو العداء مع الصين حيث بدا أكثر تصالحية بعد استقبال الرئيس الصينى. وقد أصبح ترامب أكثر واقعية، كما أنه لم يبلور حتى الآن عقيدته «الصفقة» وهى الحماية والتدخل الأمريكى مقابل المصالح الاقتصادية والمالية, وهو ما ظهر فى موقفه من الحلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية، حيث كثفت أمريكا وجودها العسكرى وأعلنت عزمها حماية الدولتين ضد أي تهديدات لكوريا الشمالية, كما أكد الشراكة الإستراتيجية مع دول الخليج، خاصة بعد زيارة ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض.

رابعا:على المستوى الداخلى أخفق ترامب فى بعض الوعود, مثل سياسته تجاه الهجرة واللاجئين, حيث أوقف القضاء أوامره التنفيذية بحظر سفر رعايا سبع دول إسلامية وعربية للولايات المتحدة, كما فشل فى إسقاط قانون الرعايا الصحية «أوباما كير», كذلك عدم القدرة على جمع التمويل اللازم لبناء الجدار الحدودى مع المكسيك الذى تبلغ تكلفته 21 مليار دولار, لكن فى المقابل نجح فى بعض الأمور الداخلية مثل تعيين القاضى التاسع بالمحكمة الدستورية العليا الذى ظل شاغرا لفترة كبيرة, واختار القاضى نيل جورسوتش المنتمى للتيار المحافظ بما يساعد فى دعم سياساته وقوانينه, كذلك عزمه على تخفيض الضرائب على الشركات والأفراد من 35% إلى 15% بما يساعد فى خلق الوظائف والإنعاش الاقتصادى, كذلك تجميد التعيينات فى الوظائف الفيدرالية بما يحقق هدفه فى تقليل حجم الحكومة وجعلها أكثر فاعلية.

خامسا: غابت أولوية دعم الديمقراطية والترويج لها فى الخارج فى سياسة ترامب, سواء فى تصريحاته أو مواقفه, حيث قام بتخفيض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية بـ30% خاصة المتعلقة بالمنظمات الأمريكية لدعم جهود الإصلاح السياسى, وهو ما يعكس ميله إلى الواقعية والابتعاد عن المثالية ورفض سياسات الإدارة الديمقراطية السابقة فى الانخراط الدولى فى مجال الديمقراطية والحقوق والحريات, وهو ما أوجد بعض المشكلات مع بعض الدول التى اعتبرت الدور الأمريكى تدخلا فى شئونها الداخلية كما حدث فى ثورات الربيع العربى, مما يعد مؤشرا مهما على توجهات إدارة ترامب بشأن الديمقراطية, حيث ترى أن دعم الديمقراطية أدى لحالة من الفوضى فى العالم وانهيار الكثير من الدول ومؤسساتها الوطنية, ومن ثم انتشار الإرهاب, كما حدث فى العراق وليبيا وسوريا.

على الرغم من الإخفاقات والتعثرات التى تعرض لها ترامب فى تنفيذ بعض وعوده فإنه يبدو أكثر تصميما على تنفيذها, ومحاولة الظهور بنهج مختلف عن سابقيه وهو ما بدا فى تصريحه الأخير بخوض معارك كبرى, لكن فى كل الأحوال فإنه من المستبعد حدوث تغييرات جذرية كبرى فى سياسة إدارة ترامب سواء داخليا أو خارجيا، حيث تمثل المصالح الأمريكية وتشابكاتها الخارجية ودور المؤسسات إطارا حاكما لتلك السياسة ومدى التغير فيها خلال السنوات الأربع المقبلة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف