تعود ظاهرة «أهل الثقة.. أم أهل الخبرة» إلى الظهور من جديد وبشدة، هذه الأيام.. مع أمرين، أحدثهما إقالة الدكتور أحمد درويش من رئاسة المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس.. وجمع الفريق مهاب مميش بين السلطتين. داخل كل منطقة قناة السويس.. وقبلهما كانت واقعة تغيير الدكتور جلال سعيد، وزير النقل.
هنا نسأل: هل عادت ظاهرة أهل الثقة.. قبل أهل الخبرة.. وهى ما عانينا منه كثيرًا طوال العصر الناصرى، وما بعده.. أم أن طبيعة أهل الثقة وقدرتهم على سرعة التحرك وأسلوبهم فى العمل تجعل السلطة العليا تفضلهم على أهل الخبرة.. رغم أننا شهدنا كثيرًا بروز العديد من الكفاءات بين أهل الخبرة.. حتى وإن خذلنا البعض منهم.. بعد أن فشل من صعد منهم ـ وهو الأكاديمى اللامع ـ إلى منصب رئيس الحكومة.. ولكن يده كانت شبه مغلولة.. أم أن أصل الحكاية يكمن فى تصريح الرئيس السيسى عندما قال: بجيب مسئولين كتير. وأول ما يخشوا الوزارة.. يغطسوا وما يطلعوش تانى؟!
<< وعندما نشرت «الوفد» أمس على رأس صفحتها الأولى تكتب: اسرار إقالة درويش فإنها ـدون أن تقولها صراحة ـ تؤكد حكاية أهل الثقة.. رغم ثقتى فى كل امكانيات الفريق مميش.. ولكن ربما هى أيضًا حكاية «أسلوب الإدارة» وأتذكر هنا أن عبدالناصر نفسه احتار عندما أراد أن يعين رئيسًا جديدًا للحكومة بين نموذجين: الأول م. محمود يونس بطل تأميم شركة القناة.. والثانى م. صدقى سليمان بطل تنفيذ السد العالى.. فإن عبدالناصر فاضل بين اثنين من أهل الثقة.. ولم يطرح مدنيًا ثالثًا ليتم الاختيار أى الثلاثة أصلح.
وهنا اتذكر أن الرئيس أنور السادات كان الأكثر جرأة فى خروجه على هذه القاعدة.. عند اختياره رؤساء الوزارات.. فجاء بالدكتور محمود فوزى ثم الدكتور عزيز صدقى، والدكتور عبدالعزيز حجازى، والدكتور مصطفى خليل.
وهى نفس السياسة التى اتبعها الرئيس حسنى مبارك أكثر من مرة مثل د. فؤاد محيى الدين ود. عاطف صدقى وغيرهما.. بعد ذلك.
<< وليس هدفى هنا اننى أقلل من كفاءة أهل الثقة.. بل منهم من كان عظيمًا مثل ممدوح سالم، الذى أخرج لنا أكثر الانتخابات نزاهة.. ولكن ربما يكون أهل الخبرة يعمدون أكثر إلى مزيد من الدراسات، لتجنب أى آثار جانبية تضر أكثر مما تنفع.. وربما يكون ذلك راجعًا إلى المدرسة ـ والحياة العملية التى عاشها أهل الثقة حيث الطاعة المطلقة.. وأسلوب الإدارة الحاسم.. إذ ـ بعد أن يتم اتخاذ القرار ـ لابد من الالتزام به.. وبمواعيده، مهما كان الثمن.. وإذا كنا نحتاج فعلًا إلى سرعة الإنجاز.. فإن ذلك لا ينفى أن نقول للناس.. الحقيقة كاملة.
<< واتعجب من تضارب أسلوبين.. ها هو الرئيس السيسى يحسن استخدام مؤتمرات الشباب.. وأى فرصة.. لكى يواجه الناس بالحقيقة.. حتى ولو كانت مرة.. ولكن فى المقابل لا تتخذ الحكومة نفس المسلك والأسلوب.. إذ لابد للناس أن تعلم: لماذا جىء بهذا المسئول، والأهم لماذا «استنحروه.. أو اغتالوه.. على الأقل حتى نحفظ للرجال مقامهم.. ولأولادهم السمعة الطيبة حتى لا يقول أحد إن الرجل أقيل لشىء يشين والعياذ بالله.. وحتى لا يضرب الناس أخماسًا فى أسداس.. وتنتشر الشائعات.. ويستغلها البعض وسيلة للطعن فى النظام كله.
<< ورغم مرور ثلاثة أيام ـ منذ الإقالة ـ ما زلت أصر على أن تخرج الحكومة للناس وتشرح لهم أسباب الاقالة.. وهل لأن سرعة الرئيس السيسى هى أسرع من سرعة الدكتور درويش وغيره، وإلى اختلاف أساليب الإدارة.. وعدم الانجاز كما يجب.
قولوها مرة.. حتى تقطعوا ألسنة أهل السوء.. وحتى ندفن أى شائعات مغرضة.. وبسرعة.. فنحن أحوج إلى أن نعمل فى جو صحى.. وكفى ما ضاع وما نعانيه حتى الآن.. من هذا الضياع، قولوها مرة: تريحوا.. وتستريحوا.