الوطن
أحمد رفعت
فرحات والرئيس.. سقوط تاريخى وأكاذيب كبرى!
هل هو الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون بجامعة الزقازيق؟ نعم هو! يعنى هو الدكتور نور فرحات القيادى الكبير بحزب التجمع؟ نعم هو! يعنى هو الدكتور فرحات الذى كنا نراه ونحن صبية صغار ثم شباب فى الثمانينات والتسعينات على منصات حزب التجمع وممثلاً له فى كل مكان وكاتباً فى صحيفته الأهالى؟ نعم هو! حزب التجمع الذى أسسه السيد خالد محيى الدين؟ نعم هو! خالد محيى الدين أحد قادة الضباط الأحرار؟ نعم هو! وحزب التجمع الذى كان نائباً له لفترة طويلة وحتى رحيله السيد أحمد لطفى واكد؟ نعم هو! أحمد لطفى واكد أحد الضباط البارزين فى تنظيم الضباط الأحرار؟ نعم هو! وحزب التجمع الذى دعا إلى تأسيسه وشارك فى تأسيسه فعلاً القيادى الناصرى البارز الراحل كمال الدين رفعت؟ نعم هو! كمال الدين رفعت أحد كبار الضباط الأحرار وقائد المقاومة ضد الإنجليز فى القناة؟ نعم هو! وجريدة الأهالى التى كان يكتب فيها السيد أمين هويدى؟ نعم هو! السيد أمين هويدى رئيس المخابرات العامة ووزير الحربية وأحد رموز الضباط الأحرار؟ نعم هو!

نراجع الاسم وننظر إلى لفظ «العسكر» لنراجع الاسم فربما خلط وقع أو خطأ تم، فلا خلط وقع ولا خطأ تم وإنما هو بنفسه الدكتور محمد نور فرحات، القيادى السابق أو الحالى بحزب التجمع، الذى يستخدم لفظاً بغيضاً ومشبوهاً وكريهاً هو «الحكم العسكرى»!

ورغم مواقف الدكتور محمد نور فرحات فى الفترة الأخيرة، وهى كلها معروفة ومنشورة ومعلنة، إلا أننا لم نتخيل قط حتى فى أسوأ الظن به أن يصل به الحال ليعلق على كلمة الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية بما يلى: ««تصريح الرئيس خلال مؤتمر الشباب بأن ما نعانيه حالياً يرجع إلى فشل أنظمة الحكم على مدار 30 أو 50 أو ستين سنة سابقة يستدعى التوقف والتساؤل، فعلى فرض صحة ذلك، وهو ما يحتاج إلى نقاش وتدقيق، فما هو القاسم المشترك بين أنظمة الحكم خلال هذه الفترة؟ الإجابة واضحة كالشمس.. الحكم العسكرى وإقصاء الشعب عن تقرير مصيره وانتهاك الحريات وتشديد قبضة الأمن باختصار الأنظمة الفاشلة هى الأنظمة البوليسية»! نور فرحات يوظف كلاماً للرئيس السيسى فى غير مقصده ولا موضعه، والأدلة كثيرة لها إن شاء الله مقال مستقل لكن كيف يمكن أن يصف الدكتور فرحات الأنظمة السابقة كلها بأنما يربطها هو الحكم العسكرى الذى هو بوليسى الذى هو فاشل؟ وماذا كان يفعل مع رموز الجيش المصرى فى حزب التجمع وجريدته؟ ألم يكن حزب التجمع حزباً سياسياً يسعى للحكم ويترشح فى الانتخابات؟ هل كان سيترك الحزب لو وصل للحكم لأن رئيسه عسكرى ابن من أبناء الجيش المصرى؟ السؤال الأخطر وهو موضوعنا الأساسى: هل كانت أنظمة ما قبل الأنظمة الثلاثة ناجحة وديمقراطية ورشيدة؟ هل انضم نور فرحات إلى من يكذبون ويدلسون على البسطاء ويزعمون أن أحوالنا قبل يوليو 52 كانت أفضل؟ هل بلغ الحال بالرجل إلى هذا الحد؟ إذن فلنذكره وأنفسنا والذكرى تنفع المؤمنين بما يلى:

يقف الآن الدكتور فرحات فى صف من يروجون كذباً وزوراً أن الحياة قبل ثورة 52، التى هى ثورة أبناء الجيش المصرى الأحرار، كانت نعيماً فى نعيم، وهو يعرف أو كان يعرف أن هذه الأكاذيب بنيت على أكاذيب أخرى من عينة أن «مصر كانت تداين بريطانيا» وهى كذبة مفضوحة لمن لا يقولون للبسطاء إن هذه الديون ليست دليلاً على تقدم اقتصادى ولا حتى ديون بالمعنى المفهوم للديون، بل كانت مقابل خدمات قدمتها مصر لبريطانيا فى الحربين العالميتين، وقد قدمتها مجبرة لا مختارة، فلا توجد دولة محتلة يكون لها أى خيرة من أمرها، كما أن هذا النوع من الديون مع عدم القدرة على المطالبة به دليل عار وذل وليس دليل قوة!

والأكذوبة الثانية التى يعرفها الدكتور فرحات أو كان يعرفها هى أكذوبة جمال شوارع القاهرة، وكيف كان الأجانب يأتون يعملون لدينا «حلاقين»!!! فهو يعرف أو كان يعرف أن عدداً من شوارع وسط القاهرة ووسط الإسكندرية فقط كانت جميعها للأجانب أو للأسرة المالكة أو للطبقة الارستقراطية، أما بقية الشعب المصرى فلا يجرؤ على المرور منها، وكان مشروع المصريين القومى وقتها ليس السد العالى أو مفاعل أنشاص النووى أو الضبعة النووى أو زراعة ملايين الأفدنة بل كان محاربة الحفاء!

أما باقى القاهرة فقد رأيناها ورأينا أهلنا فى أفلام الأربعينات مع نجيب الريحانى فى «أبوحلموس» و«سلامة فى خير» أو مع حسين صدقى فى «العزيمة» وغيرها من أفلام، أما عن ريف مصر فحدث عن الإجرام بحق شعب بأكمله بما يستلزم إعادة التذكير بالأرقام التالية:

بخلاف كون الاقتصادالمصرى تابعاً للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية ويسيطر عليه الأجانب وبضع عشرات أو مئات من المصريين، إلا أن نسبة البطالة بين المصريين بلغت رقماً فلكياً وصل إلى 46% من تعداد الشعب، عمل أغلبه فى مهن متدنية سعاة وفراشين، بل أثبتت آخر ميزانية للدولة عام 1952 عجزاً قدره 39 مليون جنيه بأسعار هذا الوقت وصفر نعم صفر فى مخصصات الاستثمار فى المشروعات الجديدة!

نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصرى ومعدلات المرض حققت أرقامـاً قياسية، حتى إن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا وغيرها من مختلف الأمراض التى يسببها سوء التغذية!! ويجب ألا تمر «سوء التغذية» مرور الكرام، خصوصاً أن نسبة المعدمين من سكان الريف بلغت 76% عام 1937 وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام 1952!!

يرصد المؤرخ الكبير الراحل الدكتور رءوف عباس فى دراسته القيمه «الحركة الوطنية فى مصر 1918 - 1952» الأرقام التالية: «توزيع الدخل القومى كان 61% منه يذهب إلى الرأسماليين وكبار الملاك، وقد كان الدخل القومى عام 1954 502 مليون جنيه، ذهب منه ما يزيد على 308 ملايين جنيه على شكل إيجارات وأرباح وفوائد وكلها لكبار الرأسماليين والملاك، بينما نجد متوسط أجر العامل الزراعى فى العام لا يزيد على أربعة عشر جنيهاً، وفق إحصاءات 1950، وإذا أخذنا فى الاعتبار التضخم وقتها وارتفاع تكاليف المعيشة لكان الأجر الحقيقى للعامل الزراعى لا يتجاوز ثلاثة جنيهات فى العام، كما أن متوسط الأجر السنوى للعامل الصناعى لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيهاً، أى ثمانية جنيهات أجراً حقيقياً فى العام الواحد!! وقدرت مصلحة الإحصاء عام 1942 أن ما يلزم للأسرة المكونة من زوج وزوجة و4 أبناء لا يقل عن 439 قرشاً فى الشهـر، ورغم ذلك كان متوسط الأجر الشهرى للعامل فى عام 1942 لا يتجاوز 262 قرشـاً، أى إن الأغلبية الساحقة للفقراء كانت فى المدن، وعلينا إذن أن نتخيل بتفكير محدود حال المصريين فى الريف»!

باختصار كان أكثر من 90% من المصريين خارج دائرة الإنسانية والحياة الآدمية، وبما لا يقبله أى دين أو قانون أو أخلاق، بينما بعد الثورة حدث العكس وتم إعادة فك وتركيب البنيان الطبقى لانتشال الطبقات الدنيا المنهكة والفقيرة ووضعها داخل دائرة الآدمية، ومنح الفلاحين أراضى زراعية كانت بحوزة قلة قليلة، حصل أغلبها على الأرض لارتباطهم بالقصر الخديوى ومن وقفوا معه ضد عرابى أو من خدموا فى القصور الملكية والأميرية، بعد أن كانت أرض مصر كلها ملكاً لمحمد على، تدار طبقاً لنظام الالتزام، بينما ظل الفلاحون الفقراء المعدم،ن الذين حفروا بأظافرهم قناة السويس والترع والرياحات والمصارف وعملوا بالسخرة فى كل مشاريع مصر حتى إنهم ماتوا ودفنوا فيها بالملايين دون أراض أو أملاك! نور فرحات يعرف أكثر من الجميع أن العمال لم يعرفوا حقوقاً إلا بعد الثورة، من تحديد ساعات العمل إلى إلغاء الفصل التعسفى إلى التأمين الصحى إلى الشراكة فى الأرباح إلى دستور يضمن لهم وقتها تمثيلاً برلمانياً بعد تغييب عشرات السنين عن السلطة والثروة، وهو أكثر من يعرف الفرق بين مشاريع ما قبل الثورة ومشاريع ما بعدها كماً ونوعاً، ويعرف كيف كانت تدار القصور الملكية، ويعرف كيف كان السفير البريطانى يحكم القصر الملكى، ويعرف كيف كان يتعامل المندوب السامى البريطانى مع الملك، ويعرف فضيحة حادث 4 فبراير وغيره من فضائح، ورغم ذلك يأخذه «التجلى» ليدغدغ مشاعر من يصفقون له على شبكات التواصل الاجتماعى بعد أن حاصروه بتصفيقهم فصار أسيراً له ولهم، ليسىء الرجل إلى تاريخه كله ويسير عكس الطبيعة البشرية التى تبدأ بحكم السن بالاندفاع وتسير نحو الحكمة، إلا أنه بدأها بالحكمة وسار بها عكسياً نحو الاندفاع، ليسجل وهو فى هذا العمر، أسوأ ما سجل فى حياته!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف