الوطن
محمد صلاح البدرى
الأزهر والبابا وعناق الأديان!
١ ـ لم تكن زيارة بابا الفاتيكان حدثاً تقليدياً بكل تأكيد، بدءاً من إقرارها وقت قبول سيادته الدعوة الرئاسية، مروراً بالتوقيت الذى حدثت فيه، الذى تزامن مع أسوأ ما مر به مسيحيو مصر، ربما منذ عهد اضطهاد الرومان!!

الصورة كلها تبدو وكأن البابا قد اختار مصر تحديداً لهدف خفى، أو أن القدر قد قرر أن يزورها ليبعث رسائل خاصة للعالم كله.

لقد كانت زيارة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ورسائل أقوى من أن ننساها سريعاً!

لقد زار «بابا» السلام «مصر» السلام!

٢ ـ «ليْسَ الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأوّلوها تأويلاً فاسداً، ثم راحوا يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء ويروّعون الآمنين ويعيثون فى الأرض فساداً، ويجدون مَن يمدهم بالمال والسلاح والتدريب».

بهذه الكلمات استقبل الإمام أحمد الطيب قداسة البابا فى مؤتمر السلام العالمى الذى عقده الأزهر الشريف، بهذه الكلمات رد الشيخ الجليل على كل محاولات تهميش الأزهر ودوره، وعلى كل اتهامات الإرهاب التى طالته والإسلام نفسه.

لقد أرسل فضيلة الشيخ رسائله أيضاً عبر كلمته أمام البابا، وخرجت الرسائل فى نفس قوة رسائل البابا، وعلى نفس السياق أيضاً!!

إنها سبل مختلفة للوصول إلى ذات الهدف، ولكن البعض لا يمكنه الاستيعاب بسهولة، أو لا يرغب فيه من الأساس!

٣ ـ يقول ‏البابا فرنسيس: «إن مصر التى أنقذت الشعوب الأخرى فى زمن يوسف من المجاعة هى مدعوّة اليوم أن تنقذهم من مجاعة المحبة والأخوة، إنها مدعوّة لتقديم قمح السلام لجميع القلوب الجائعة لتعايش سلمى لعمل كريم وتعليم إنسانى».

يحاول البابا فى كلمته أن يذكّر العالم بقدر مصر، ويثمّن دورها التاريخى والمحورى عبر الأزمان، وهو فى نفس الوقت يثق فى قدرتها على المضى قدماً فى ذلك الدور الذى كان قدرها فى الماضى، ولا يزال يرافقها حتى الآن!

إن دعوة البابا لمصر أن تمضى قدماً فى واجبها التنويرى لهى ثقة ينبغى أن نفخر بها، وتكليف يجب أن نبذل أقصى جهد لنكون أهلاً له!

٤ ـ يحاول البعض النيل من الزيارة وتأثيرها، ويحاول آخرون أن يشككوا فى شيخ الأزهر نفسه لأنه احتفى بالبابا بهذه الصورة.

المشكلة أن البعض يقتات على العنصرية والفتنة الطائفية بين الأديان، ففى توافق الأديان نهايتهم، وفى عناق البابا وشيخ الأزهر رصاصة الرحمة التى تنهى وجودهم!

يرسل البابا رسائل قوية عبر كلمته التى افتتحها بـ«السلام عليكم» باللغة العربية، واختتمها بـ«تحيا مصر» باللغة نفسها، إنه يعبّر عن تقديره للدولة وللنظام بشكل جميل، ودون تصريح واضح!

لقد كانت رسالات البابا وشيخ الأزهر معاً كاشفة لكل نظريات التطرف اليمينى، ورداً على كل الاتهامات التى طالت الأديان -والإسلام تحديداً- برعاية التطرف، أو حتى بالرضا عنه!

لقد تعانق الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، وليحترق كل موتور كاره لذلك العناق!

٥ ـ قدّاس وكلمتان أمام العالم كله هى حصيلة زيارة البابا القصيرة إلى مصر، ولكن الأهم منها هو عناق حار بينه وبين شيخ الأزهر، هو رسالة الأمان التى أرسلها من على أرضها، ورسالة الثقة التى بعثها فى داخلنا جميعاً.

ستظل الزيارة تاريخية وإن كانت قصيرة، وسيمتد تأثيرها لفترة طويلة عبر شعوب العالم التى تابعتها.

ستظل مصر مهداً لكل الأديان، وملجأ وملاذاً لكل من يريد.

سيظل الأزهر هو منارة الإسلام الوسطى، وحارس للإسلام الصحيح.

ستظل أجراس الكنائس تدق بين أوقات الأذان، وسيظل المسيحى والمسلم معاً أقوى من كل منهما منفرداً، فالمصرى يدرك بالفطرة أنه إذا كان مسلماً منذ ألف وأربعمائة عام، ومسيحياً منذ ألفى عام، فهو فى الأساس مصرى منذ سبعة آلاف عام!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف