اختلفت الآراء في تفسير الدوافع الكامنة وراء عقد جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي لمناقشة المعونة المالية لمصر.. وما ظهر في مناقشات هذه الجلسة من توجهات سلبية تجاه مصر.. رغم تصريحات الرئيس ترامب الودودة نحو مصر والزيارات المتتالية لوفود من الكونجرس إلي مصر ووفود من الدبلوماسية الشعبية المصرية للكونجرس وزيارات وزير الخارجية سامح شكري ولقاءاته مع أعضاء مجلس الشيوخ.. ناهيك عن وجود شركتي علاقات عامة أمريكيتين تم التعاقد معهما مقابل 8.1 مليون دولار سنوياً لتحسين صورة مصر في الولايات المتحدة.
قال بعض المحللين إن الرهان علي ترامب نفسه رهان خاسر.. وما كان ينبغي أن نمنحه كل الثقة ونتصور أنه قادر علي تغيير توجهات الكونجرس.. فالرجل لا تأثير له حتي علي حزبه الذي يشكل أغلبية في الكونجرس بمجلسيه وفي لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ.
قال آخرون إن ترامب نفسه كانت لديه توجهات لتخفيض المعونة المخصصة لمصر.. وهو علي أقل تقدير راض عما حدث في جلسة الاستماع لأنه سيعفيه من الحرج.
وهناك رأي ثالث طرحه الدكتور محمد كمال في "المصري اليوم".. فقد لاحظ أن العلاقة بين الكونجرس ومصر ظلت طيبة لفترة طويلة.. ثم حدث تغيير في مواقف الكونجرس تجاه مصر في السنوات الأخيرة.. وارتبط ذلك بالتغيير الجيلي الذي حدث في أعضاء الكونجرس.. وخروج العديد من أصدقاء مصر القدامي ودخول عدد من الأعضاء الجدد لم يعاصروا بشكل كاف الدور الاستراتيجي لمصر في منطقة الشرق الأوسط.
ويعترف د.كمال بوجود ضعف في التواصل المصري مع الكونجرس خاصة في شقه الدبلوماسي والبرلماني.. ولا يكفي هنا ـ حسبما قال ـ الاعتماد فقط علي شركات الدعاية الأمريكية التي استأجرتها مصر للقيام بهذا الدور.. وعلينا تطوير استراتيجية متكاملة للتعامل مع كل مؤسسات صنع القرار الأمريكي وليس فقط البيت الأبيض.
ومع احترامنا الكامل لكل الآراء التي حاولت تفسير دوافع لجنة الاستماع السلبية إلا أنها حصرت الأمر برمته في مسلمة أولية غير قابلة للنقاش وهي أن نظرة اللجنة للمعونة ثابتة.. وأن الرأي العام الأمريكي لايزال ينظر إلي المعونة علي أنها ضرورة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وهنا لابد أن نعترف بأن الظروف السياسية تغيرت.. وتوجهات الرأي العام الأمريكي ودافع الضرائب تغيرت.. وبالذات مع الشعار الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية "أمريكا أولاً".
كان ينبغي أن نستوعب هذه المتغيرات ونبدأ نحن بالدعوة إلي تحويل جانب مهم من المعونة إلي مشروعات شراكة واستثمارات اقتصادية لكي يشعر الأمريكيون أننا جادون في بناء أنفسنا بأنفسنا.. وأننا لسنا كسالي ولن نعتمد علي معونتهم إلي ما لا نهاية.. وإننا قادرون علي الاستغناء عن هذه المعونة إذا لزم الأمر.
كان يجب أن يشعر كل من تحدث في جلسة الاستماع أن مصر ليست عالة ولا تتسول.. وأنه لن يأتي اليوم الذي تستخدم فيه المعونة سلاحاً للتأثير علي مواقف مصر تجاه قضايا المنطقة.. خاصة تجاه إسرائيل وثوابت حل الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد جف لساننا ونحن ندعو إلي وضع بدائل وطنية للمعونة لأنها ببساطة ملعونة وغير مضمونة.