إلى جوار تراثنا العظيم ما هو شديد التخلف فى عدة مجالات، تراكم عبر عصور من التعصب وضيق الأفق، ومن الاستبداد الذى يفيده تفشى التخلف،
بما صار يُشكِّل آلية هدّامة لا يكتفى خطرها على من يخططون لاستخدامها لمصالحهم وضد خصومهم، بل إنه بات لها قصور ذاتى يعمل بتلقائية على يد جيش من الموظفين صاروا يجدون أنفسهم ملزمين بتنفيذ هذه القواعد، التى صيغت فى تشريعات رسمية وُضِعت لها إجراءات واجبة الاتباع، وإلا خضعوا للمساءلة! ومن ذلك، هذا الدأب المريب فى ملاحقة المستنيرين من المفكرين والمبدعين الذين يتصدّون للأفكار المتطرفة ويتطوعون بمواجهة أخطار المتطرفين! وتكون النتيجة أن ينعم المتطرفون ببيئة حاضنة!!
أنظر فقط إلى قواعد الحسبة، التى تجيز لمن يعتبر نفسه متضرراً أن يُحرِّك دعوى قضائية ضد أى مجتهد لا يعجبه اجتهاده ويتهمه بازدراء الدين، وهى التى لا تزال سارية حتى الآن برغم ما قيل عن حصر إجراءاتها فى يد النيابة العامة! ولم يسلم من ذلك عبر السنوات الماضية أكبر الأسماء ممن يصعب حصرهم، مع عدد من الشباب فى مستهلّ نشاطاتهم! ويصاحب كل هذا هجوم ضار من ميكرفونات المساجد ومن شاشات التليفزيون وصفحات الصحف، وأضيف لها مواقع التواصل على الإنترنت بكل ما صار لها من تأثير. والقصد الزجّ بالاختلاف إلى أن يكون الاحتكام فيه إلى آراء وأذواق العامة، بل وهواجسهم، بعد إشعال عواطفهم بأن دينهم فى خطر، وأن الله سيحاسبهم على تقاعسهم عن حماية الدين! فى حين أنها مسائل تحتاج إلى أهل العلم والتخصص بما لهم من تعقل ودراية وعمق وسعة صدر. وقد تكون المعركة المحتدمة الآن فى مناقشات مشروع بقانون لتطوير الأزهر الشريف نموذجاً لهذه الحالة، حيث يتعمّد البعض أن يدفع بالمناقشة إلى سياق تخويف عموم المسلمين من مؤامرة تستهدف الإسلام، بعد أن اعتبروا مؤسسة الأزهر هى وحدها المعبرة عن الإسلام، وأن رجال الأزهر هم حماة الإسلام، وأن أى نقد لأدائهم هو تطاول على الإسلام، وأن دعاة التطوير هم أعداء للإسلام!