الجمهورية
على هاشم
تراكمات السنين.. خداع المصريين بالوعي الزائف!
المؤتمر الوطني الثالث للشباب حمل رسائل عديدة ليس للشباب فحسب.وهم قوة مصر الحيوية بل للرأي العام الداخلي والخارجي علي السواء أهمها المصارحة والمكاشفة كخطوة أولي ولازمة لحلحلة الواقع المؤلم الذي جاء نتيجة طبيعية لتراكمات السنين التي تركت دون حلول بل جري التعامل معها بخداع ووعي زائف للمصريين وهو ما أفاض الرئيس في شرحه وتحليل جوانبه ببساطة وعمق.
حوار الرئيس مع الشباب في حضور الحكومة جاء لغته بسيطة يفهمها عامة الناس وتصل إلي عقولهم وقلوبهم.. سأل الشباب الرئيس بصراحة وشجاعة أسئلة ما تعودنا عليها مع رؤسائنا السابقين وربما لو سئلت وقتها لقوبلت بعاصفة من الغضب والضيق لكن الرئيس السيسي ـ كعادته ـ منذ تولي الحكم يصارح الشعب بالحقائق والصعاب والمشكلات التي كثيرا ما حجبتها الأنظمة السابقة ربما بحسبانها شأنا رئاسيا لا يصح مشاركة العامة فيه أو ربما خوفاً من ردود الأفعال وتحاشيا لإثارة المتاعب لذلك جري التعامل مع تلك الأزمات بمنطق التأجيل والترحيل إلي ما شاء الله ورغم أن السيسي يدرك تمامًا أن المصارحة واقتحام المشكلات قد يجلب له المتاعب ويخصم من رصيده شعبيا لكنه لا يعبأ سوي بشيء واحد هو مصلحة مصر بحسبانها أولوية قصوي تتقدم عنده علي ما سواها.
لقد قال الرئيس السيسي بالحرف الواحد : ان الرئيس السادات حاول مواجهة المخاطر الاقتصادية للبلاد بشجاعة واتخذ قراراته الإصلاحية المشهورة عام 1977 إلا أنه تراجع تحت ضغط ردود الأفعال الغاضبة هل لأن الشارع وقتها لم يكن مهيأ لقبول قرارات صعبة أم كان ينتظر أن يجني المكاسب والأرباح بعد سنوات صعبة بين هزيمة 67 وانتصار 73 فلم يتقبل التضحية؟!
لا شك أن أي تأخير في تنفيذ برنامج الإصلاح يعني أن تفلس مصر ويتحمل الشعب مزيدا من الأعباء خصوصًا الأجيال القادمة ومؤكد أن الآثار والأعباء المترتبة علي تلك القرارات الآن أخف وطأة وقسوة مما لو تأجلت قليلاً أو كثيرا وهو ما تحرك علي ضوئه الرئيس السيسي الذي كان واضحا عندما قال: أعلم تماما مدي تحملكم وصبركم وما سوف تتحملونه أيضا فانتظروا عاما ثم اختاروا ما شئتم بإرادتكم الحرة.
وهكذا صارح الرئيس السيسي شعبه بحتمية قرارات الإصلاح تفاديا لما هو أصعب وأشد إيلاما وفداحة إذا ما تأجلت تلك القرارات المؤلمة أكثر من ذلك فالفاتورة ستكون فادحة خلافاً لما يروجه كثير من السفلة الموتورين المأجورين الذين يخرجون علي مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها في أعقاب كل حوار أو قرار للسخرية ونشر الإحباط بين الناس دون أن يقدم واحد من هؤلاء المتنطعين في ذلك الفضاء الافتراضي إجابة عن سؤال ولا بديلاً ولا حلولاً للمشكلات كل ما يشغلهم هو تشويه النظام وخلق فجوة بينه وبين الشعب.
حوار الرئيس مع الشباب كان متدفقا جريئا منعشا للذاكرة الوطنية موقظًا للوعي واضعًا خريطة طريق واضحة للمستقبل وقد بعث بمؤشرات أمل عديدة طمأنتنا علي المستقبل مادام في مصر شباب علي هذه الدرجة من الوعي والشجاعة اللذين يدحضان أوهام البعض من أن شبابنا غارق في العالم الافتراضي في الفيس بوك وغيره كما أن ثمة جوانب أخري للأمل تتمثل في حاكم وحكومة من نوع جديد استمعنا إليهم ولمسنا فيهم تلقائية وبساطة شاهدنا رئيسا لا يعرف البيروقراطية ولا التعقيد ولا الروتين طريقا إلي عقله وفكره رئيسا يعترف بما تعاينه مؤسساتنا من قصور ويؤكد دون مواربة أن ثمة خللا لا يزال موجودا في جميع مؤسساتنا وضرب مثلا بتأخر طرح الأراضي للشباب في مشروع المليون ونصف المليون فدان مرجعا ذلك إلي البيروقراطية والبطء الشديد في استجابة الأجهزة المسئولة وذلك بلا شك رسالة واضحة للحكومة ودعوة لنسف البيروقراطية التي تهيمن علي أداء أجهزتها ومرافقها والأدهي أنها تسكن في عقلها منذ القدم ولعل ذلك من أهم أسباب تطفيش الاستثمار وقتل روح الإبداع والابتكار ووأد طاقة النجاح في مهدها وهو ما يظهر جليا في قول الرئيس: باجيب مسئولين كتير وأول ما يخشوا الوزارة يغطسوا ما يطلعوش تاني.. في دلالة علي أن البيروقراطية العميقة آفة تبتلع كل جهود الإصلاح وأفكاره وهنا يثور سؤال: كيف يجري اختيار المسئولين في بلدنا.. ما معايير هذا الاختيار.. أهي الكفاءة والخبرة والقدرة علي اتخاذ القرار في وقته . والحس السياسي وإدراك حدود المسئولية السياسية ومقتضياتها .. أم هي الآفة القديمة بتغليب أهل الثقة والولاء علي ما سواهم؟!
يحدونا الأمل أن تكون رسالة الرئيس قد وجدت طريقها إلي من يعنيهم الأمر ومن بيدهم الاختيار والقرار لاقت كلمات الرئيس تفسيرات عديدة مغلوطة من جانب بعض النخبة سييء النية الذين لا يعجبهم العجب وخصوصا قوله: ان المشكلات ظلت تتراكم علي الدولة المصرية دون مواجهة حقيقية من الأنظمة السابقة وان توصيف المشكلات في السنوات الماضية كان بمثابة خداع ووعي زائف للمصريين وأنا لا أدعي ـ والكلام للسيسي ـ امتلاك الحقيقة بمفردي وعلي مدي الستين عاما الماضية.. كل محاولات الرؤساء السابقين من جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وحتي أنا لم يحدث مرة أن توازن الدخل القومي مع زيادة معدلات السكان حتي وصل الرئيس إلي عبارة غاية في الشفافية والإحساس بثقل المسئولية وهي: اقبلوا اعتذاري فإني حاولت أن أصلح المركب وأعدي بيها "قناية" وطلعت "بحر".. نظرًا لكثرة التحديات والمشاكل.
أصاب الرئيس ولا شك كبد الحقيقة حتي ولو كانت تلك الحقيقة مرة فما من دولة ضربتها ريح الثورات إلا وعاشت سنوات ثقالا ريثما تهدأ العواصف عواصف الهدم والغضب ثم تبدأ إجراءات البناء والتجديد الأمر الذي يفسر لنا ما تعانيه مصر من أزمات ومحن اقتصادية بعضها متراكم منذ عقود وبعضها الآخر مستحدث نظرا لتوقف الإنتاج وتفجر الاحتجاجات والمطالب الفئوية وانحسار السياحة والانفلات الأمني الذي اجتاح البلاد مع ثورة 25 يناير ومن ثم تراجعت معدلات النمو التي قاربت 7% قبيل يناير 2011 ثم تفاقمت الكوارث بصعود الإخوان للحكم وما صاحبه من استقطاب حاد أفضي للإرهاب والعنف والعداء للدولة وأجهزتها المختلفة.. أحوالنا الاقتصادية هي انعكاس ونواتج سنوات عجاف.
لا جدال أن ثمة اختلالات اقتصادية غير مسبوقة تهدد إذا لم تتم مواجهتها ولو باجراءات صعبة بفشل اقتصادي ولو وقعت ـ لا قدر الله ـ ثورة ثالثة فلن تبقي ولن تذر وربما لن تجد بعدها أثرا لمصر علي الخريطة . وقد أراد الرئيس تنبيهنا إلي تلك المخاطر إذا لم ننشغل جميعًا بمستقبل هذا الوطن وهمومه ونخلص النوايا لبناء مصر الجديدة علي قلب رجل واحد. ومن دون تلك الروح نصبح في خطر حقيقي يهدد مستقبل البلاد والعباد.
ومن عجب أن الذين ينتقدون ما قاله الرئيس يقفون موقف المتفرج دون تقديم حلول ناجعة واقعية تفيد الوطن والمواطن وهو ما يجعل كلامهم مجرد هجوم لا طائل منه إلا الصخب والجدل .
ومن أهم رسائل مؤتمر الشباب تأكيد الرئيس السيسي علي احترام حكم القانون وعمل المؤسسات ولاسيما فيما يخص تيران وصنافير حيث قال السيسي: عملنا دورنا بأمانة ووطنية كجهاز تنفيذي ولم نجامل أحدًا . ولا أحد يجامل علي حساب بلده أو علي حساب متر أرض وهو ما يغلق باب المزايدة. ويوقف حرب الشائعات.
المؤتمر بأيامه الثلاث أجاب عن كثير من التساؤلات التي تشغل الشارع مثل حديث الأسعار المنفلتة حيث لم يخف الرئيس انزعاجه من موجات الغلاء داعيا الشعب والحكومة والمجتمع إلي التعاون في الرقابة علي الأسواق لمواجهة هذا الغلاء غير المبرر من جانب البعض.
تكرار مثل هذه المؤتمرات مهم لتحقيق التواصل مع الشارع وقطع الطريق علي الآلة الإعلامية الإخوانية التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولتها بالنقد والإثارة والتشويه لطمس الحقائق وإهالة التراب علي الإنجازات وليس أقل من أن نصبر مع الرئيس الذي يعلم أماني وطموحات الشعب الذي يريد أن يجني الثمار والمكاسب بعد طول عناء فمن يزرع شجرة اليوم يحصد ثمارها بعدها بسنوات ومن يرمم ويعمر بلدا خربه الإهمال والإرهاب فإن ذلك يحتاج بعض الوقت مع مضاعفة الجهد والإنتاج وفق رؤية اقتصادية سليمة.
أما الحرية وهي أم المطالب العادلة فمرهونة بتحقيق الاستقرار والأمن وتلك أدني مقومات الاستثمار فكلها حلقات مترابطة يفضي بعضها إلي بعض والمستقبل رغم ما يكتنفه من تحديات ومصاعب فلن يكون من صنع رئيس أو حكومة بل هو إرادة شعب واع لا يصدق الشائعات ويري بعيون الحقيقة ما يتغير حوله في الواقع فثمة مشروعات وثمة أمل وثمة رئيس يؤكد أنه لن يستمر في موقعه دون إرادة شعبه رئيس ملم بكل تفاصيل الواقع المرير ويعمل علي معالجته فقط علينا ألا نغيب الوعي وألا نفرط فيه وأن نساند الدولة وصولا للأهداف المرجوة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف