حافظ أبو سعدة
قانون الهيئات القضائية خطوة للخلف
أقر البرلمان بأغلبية مريحة قانون الهيئات القضائية، الذى يهدف إلى تعديل طريقة تعيين رؤساء الهيئات القضائية، كان تعيين رؤساء الهيئات القضائية يتم بقرار رئيس الجمهورية بعد أن تقوم الهيئات بإجراءات داخلية باختيار رئيس الهيئة وفقاً لقاعدة الأقدمية، أى الأقدم سناً يتولى الرئاسة، وفقاً لهذا التعيين يتم ترشيح ثلاثة من سبعة أعضاء، ليختار رئيس الجمهورية رئيس الهيئة بصرف النظر عن قاعدة الأقدمية وفى حالة عدم ترشيح الهيئات ثلاثة مرشحين فى الموعد المحدد وفقاً للقانون يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة نواب، وهذا يعنى أن السلطة التنفيذية هى من يعين رؤساء الهيئات القضائية، وكان رأى الهيئات القضائية مجتمعة رفضها هذا القانون، وأُرسل هذا الرأى إلى البرلمان وأخطر به السيد رئيس الجمهورية، إلا أنه قد سبق السيف العذل، وصدر القانون بأغلبية الثلثين فى مجلس النواب باعتباره من القوانين المكملة للدستور، وأصدره السيد رئيس الجمهورية.
لم يقدم سبباً مقنعاً سواء من مجلس النواب أو من الحكومة لتبرير إصدار هذا القانون بهذه السرعة، ورغماً عن الهيئات القضائية، رغم أن أسباب الاعتراض من قبل القضاة هو أن هذا القانون به شبهة العوار الدستورى، وأنه يخالف نصوصاً صريحة فى الدستور المصرى تؤكد استقلال القضاء، بل ويجرم التدخل فى شئون العدالة، كنص المادة 184 من الدستور، ولا يمكن أن نصدق أن يتم تعديل هذا القانون، كما يشاع بسبب قاض أصدر حكماً يخالف رأى الحكومة، فى إشارة إلى حكم جزيرتى تيران وصنافير، الذى أصدره القاضى يحيى الدكرورى.
كما أن النظام الجمهورى يقوم على أساس مبدأ أساسى، هو الفصل بين السلطات، وهو ما يعنى عدم جواز التدخل فى شئون القضاة والعدالة لا سيما فى مسائل تتعلق بشأن من أخص شئون القضاة، وهو اختيار قيادتهم، فمعايير استقلال القضاء الدولية والإعلان العالمى لاستقلال القضاء ينص بشكل واضح دون لبس فى المادتين الرابعة والسابعة من إعلان استقلال القضاء أن استقلال القضاء هو أن تكون السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ولا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل فى شأن من شئون العدالة هو تعيين رؤساء الهيئات القضائية.
إن القول بأن الفصل بين السلطات فى الدستور قرين بالتوازن لا يعنى بأى حال من الأحوال تغول السلطتين التشريعية والتنفيذية على السلطة القضائية، وهى كلمة حق يراد بها باطل، طبعاً السلطات الثلاث لا تعمل كجزر منعزلة، وإنما هى سلطات دولة يحكمها وينظم عملها ويضع الحدود الفاصلة بينها دستور، بينما يضمن استقلالها وأيضاً مجالات التعاون من أجل الصالح العام، والسلطة القضائية هى الحصن الذى يلجأ إليه المواطن للإنصاف وحماية حقوقه من الاعتداء عليها من أى جهة بما فى ذلك السلطة التنفيذية، فهى سلطة العدل وحصن الحقوق والحريات.
لا شك أن المجتمع الدولى ومؤسسات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان التى تتابع عن كسب كل شأن يتعلق بحقوق الإنسان فى مصر، فهناك انتقادات شديدة على فرض حالة الطوارئ، وانتقادات لصدور أحكام بالإعدام جماعية، وانتقادات بشأن الاحتجاز والحبس الاحتياطى طويل المدة، والكثير من الانتهاكات، وفى الحقيقة، فإن هذا القانون سينظر إليه على أنه تراجع لدولة القانون، والتزامات مصر الدولية وتصديقها على مواثيق حقوق الإنسان، كما أنه سينظر إلى التقاضى فى مصر بنظرة شك فى أن السلطة التنفيذية لا تتدخل فقط فى مسألة تعيين رؤساء الهيئات القضائية، ولكن فى كل شأن من شئون العدالة، وهو أمر لو تعلمون عظيم أن نخسر سمعة قضائنا واستقلاله وحيدته، وهى لا شك خطوة للخلف.