المساء
نبيل فكرى
هذا العبث
أجلس علي المقهي من آن لآخر. ورغم أنني لست من محبيها. إلا أن ارتياد الأصدقاء لها. جرني جراً اليها. وأجد في ذلك أحياناً مكافأة لنفسي علي ما أنجزت. وفي سنوات سابقة. وأعني بها سنوات الكفاح. وبناء النفس. لم أكن من مرتاديها علي الاطلاق.
منذ أسبوع مضي. جلست قريباً من عشرة صبية بالتمام والكمال. يبدو أنهم في الثانوية العامة. وكان الوقت قبل الظهر. مما يعني أنهم كانوا في طريقهم إلي درس خصوصي أو عائدين لتوهم منه. فالمدارس كما نعلم. وكما أعايش أنا شخصياً. لم تعد تستقبل طلاب الاعدادية أو الثانوية. وفي مدرسة ولدي. اتصلوا بي حين أصررت علي ذهابه. وقال لي مدرس صديق: حرام عليك تترك ابنك يأتي ليجلس علي السلم.
المهم. لم أنشغل بهؤلاء الصبية. إلا حينما تعالت صيحات بعضهم. وكأن حادثاً جللا قد حدث. فقد عم الصراخ. والسباب بالأم وبالأب. مختلطاً بالضحك ولا أدري كيف بات بالامكان المزج بين تلك المتناقضات. وظننت في بادئ الأمر. أن مشادة قوية حدثت أو أن خبراً حزينا نما إلي سمعهم. أو كارثة حلت بهم. وكانت المفاجأة أن كل ذلك. ليس إلا مؤثرات صوتية للعب "الدومينو" و"الكوتشينة" علي طاولتين جمعتا الشباب العشرة. واستمر الحال كذلك. حتي تركتهم أنا. ولا أدري متي انصرفوا.
عدت من الخارج بعد ثورة يناير. أصدق فعلاً أن الشباب في مصر مختلف. وأنهم ليسوا كجيلنا الذي ظل طوال العمر يرقص علي السلم.. عدت أعول عليهم في أن يأخذوا حتي بيدي أنا إلي غد مختلف.. عدت أظنهم مثقفين. يقولون ما يعلمون. ويدركون ما يفعلون. وشيئاً فشيئاً. بدأت تتكشف الحقيقة المرة. وهي أنهم صورة طبق الأصل من كل ما أطل علينا.. هم صورة من الفيس والواتس والانستجرام وتويتر.. هم أشياء "مسلوقة" وسريعة. ولا تسمن ولا تغني من جوع. الا من رحم ربي. والاستدراك بالمناسبة. لأننا تعودنا أن نستدرك. وان كنت لم أصادف هذا الاستثناء حتي الآن.
شباب هذه الأيام. يجادلون لدرجة الملل.. يتشبثون بما يريدون. ويدافعون عنه دونما كلل.. معلوماتهم كلها من مواقع التواصل. ولم أصادف أحدا منهم يحمل كتابا أو يقرأ.. ولاؤهم لأنفسهم. قد يفوق ولاءهم لأهليهم.. لديهم تسلط يفوق تسلط الآباء علي أبنائهم. وتأثروا قطعاً بكل ما حولهم.. تأثروا بهذا العداء وهذا التغييب الذي يضرب الشارع وتسلل إلي البيوت.
أنا لا أدري حقيقة. السبيل إلي استعادة هذا المستقبل. والأخذ بيد الشباب إلي حيث يجب أن يكونوا.. كل الذي أدريه أن المدرسة هي المسئولة عما يحدث. وهي شريك البيت في المهمة. وأن وزارة التربية والتعليم. عليها أن تعمل من الآن علي استعادة دور المدرسة. والأهم استعادتها لتكون ملاذا لطلابها. بدلا من جلوسهم علي المقهي.. التعليم أن نذهب إلي المدرسة ونعود منها. وليس أن تتحول إلي حصص خاصة في البيوت.
في أي بلد بالعالم. مثل هذه المؤشرات يجب أن تكون مرصودة. ومثل هذا العبث. لا يمضي مرور الكرام.. شبابنا في خطر. وفي حاجة ماسة إلي من يأخذ بأيديهم. ولا تقولوا انها مسئولية البيت.. يكفي الأب والأم هذه الأيام أن يلهثا من الصباح حتي المساء لتلبية حاجة الأسرة.. يكفيهما أن يوفرا مصاريف الدرس وليس الدروس.. مصاريف المدرسة وليس التعليم.
** كلمة أخيرة:
ـ بناء "الساكن" .. أجدي من بناء "المساكن".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف