لست أذكر القائل أن العرب يمتلكون كل عناصر القوة الشاملة. لكنهم يعجزون عن حشد تلك العناصر وتنظيمها. وتحويلها الي قدرة فاعلة تفرض وجودها وتأثيرها علي تطور الحياة في العالم.
نحن ننتمي الي مجتمعات الفرص الضائعة. ثمة فرص الوحدة أو الاتحاد ومغالبة التخلف والتحول من الانتاج الي الاستهلاك والديمقراطية والقضاء علي النوازع القبلية. لكننا نستهلك الوقت والجهد في المفاضلة بين الصح والخطأ. ونحن نرفض. وندين. ونحرص علي المصلحة الشخصية أكثر من حرصنا علي صالح الجماعة. ونكتفي بترديد الشعارات الباهرة دون محاولة حقيقية لتطبيقها. ونقبل بنظرة العالم لنا باعتبارنا ظاهرة صوتية: ندين ونشجب ونصرخ وننظم المظاهرات والمسيرات. وربما لجأنا الي العنف داخل أقطارنا. فندمر ما نملكه. ثم نلزم صمتا غير حكيم. ونحن نتبادل الاتهامات. ونرفض الآراء المختلفة. وربما وصل الأمر حد التصفية الجسدية لأصحاب تلك الآراء.
التقدم هو التحدي الذي يمكن أن نفلت به من عنق الزجاجة المسمي بالتخلف. هو صنع القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الموازية لقوي الآخرين.
والحق أن البديل لايجاد القوة العربية الشاملة. لمجاوزة التخلف. والتحول من مجتمعات استهلاكية الي مجتمعات انتاجية. والديمقراطية. والرؤية المستقبلية.. البديل لذلك هو القبول باحتلال موقع هامشي في مسار حركة العالم. أو القبول بأخطار متوقعة. وربما القبول بالسقوط في مزبلة التاريخ. وقد وصف واينبرجر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق شعبنا العربي بأنه "نفاية البشرية" فلم يرتفع صوت قائد أو مثقف. أو حتي مواطن عادي. يحتج علي المسئول الأمريكي عنصريته واستعلائه وقلة أدبه. أفلحت اسرائيل ـ وهو ما كان يعيه الغرب جيدا حين ألقي بذورها في التربة العربية ـ في امتصاص كل قدرات العرب وامكاناتهم وتطلعاتهم الي التنمية والاستثمار والتقدم. وكان الاحتلال الصهيوني عاملا مباشرا في سيطرة بعض الأنظمة الرجعية والديكتاتورية علي أقطار الوطن العربي. بدعوي محاربة التوسع الصهيوني. بينما أفرزت حياة اسرائيل في المنطقة العربية اتساعا في مساحة الأرض. واعترافا متبادلا. وتغلغلا اقتصاديا. وحصارا علي مستقبل دول المنطقة. وهو ما نستطيع أن نتعرف اليه في تحركات اسرائيل في أريتريا. ومنابع النيل. وجنوب السودان. وسوريا. واليمن. وشمال العراق. الخ.
إن كل اقتراحات النضال ضد المخططات الصهيونية تتركز في التفاوض. مثل مخاطبة الداخل الاسرائيلي. واعتماد سياسة هجوم السلام التفاوضي. وعدم السماح للجانب الاسرائيلي بالتنصل من تنفيذ التزاماته الدولية. وتأكيد الدور الأوروبي في العملية السلمية. والعمل السياسي والاعلامي المكثف دعماً للمفاوض العربي. وكشفا للمناورات الصهيونية الخ.
وفي تقديري أن الاقتراح الأهم لمواجهة المخططات الصهيونية. أن يكون استشرافنا للتقدم. وسعينا في اتجاهه.
هذا هو التحدي الذي يجدر بنا أن نواجهه.