المساء
مؤمن الهباء
عصر التجسس
لم يعد هناك مكان آمن في هذا العالم من التجسس.. ولم يعد هناك أحد محصن ضد التجسس.. أبلغ دليل علي ذلك لعبة التسريبات والتسجيلات التي تفاجئنا بمعلومات مذهلة.. الموضوع لا يتعلق بالأفراد فقط ممن يخشون علي خصوصيات حياتهم وإنما بالدول أيضا.. والدول العظمي تحديدا.
من كان يصدق أن أمريكا سيأتي عليها يوم تتهم فيه روسيا بالتدخل في انتخاباتها الرئاسية والتأثير فيها لصالح أحد الأطراف علي حساب الآخر.. ثم تتكرر اللعبة الآن في فرنسا حيث تتهم حملة المرشح ماكرون الأجهزة الروسية بالتدخل الأليكتروني لصالح المرشحة العنصرية مارين لوبان.
لكن سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي كان أكثر وضوحا وتحديدا في الحديث عن التجسس الذي يتعرض له.. فقد كشف عن أنه يحرص علي ترك تليفونه المحمول قبل دخول أية مباحثات مهمة خشية التعرض لعمليات تجسس.
وليس الخوف من التليفون المحمول فقط.. فقد ذكر لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني جابرييل زيجمار أن محاولات الاختراق الأليكترونية تخطت كل الحدود.. وحتي أجهزة التليفزيون والثلاجات تستخدم في مثل هذه الأغراض من خلال العبث في دوائرها الكهربائية.
وكان موقع "ويكيليكس" قد نشر أن المخابرات المركزية الأمريكية تستخدم خمسة مواقع للتجسس علي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. وتعليقا علي ذلك قال المتحدث باسم الكرملين إن ذلك ليس جديدا.. وموسكو تعرف الكثير عن هذه الأعمال.. وتعلم بمحاولات التجسس علي المسئولين الروس في واشنطن ومنهم السفير الروسي كيسلياك.
ورغم ذلك فإن جوليان أسانج مؤسس موقع "ويكيليكس" يتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بعدم الكفاءة بشكل كارثي لقيامها بحفظ معلومات حساسة حول برامج تجسس في مكان واحد.
وقال إن "ويكيليكس" مستعد للعمل مع شركات تصنيع الأجهزة الأليكترونية لإعطائها تفاصيل تقنية إضافية لإجراء تصحيحات تمنع التجسس.. وذلك بعد تسريبه معلومات حول برنامج مفترض يتيح للمخابرات الأمريكية التجسس من خلال التليفزيون أو الهواتف الذكية.
وهكذا صار العالم كله شبكة هائلة للتجسس.. لم تعد هناك حصانة أخلاقية أو قانونية تحمي خصوصية المواطن رغم ترسانة المواثيق والقوانين التي تتحدث عن حق الإنسان في أن تكون حياته الخاصة مصانة.. ولا يجوز لأية جهة أن تنتهك هذه الخصوصية إلا بإجراءات قانونية محددة ولفترة قصيرة.
كانت الدول الرأسمالية تتباهي علي العالم بالليبرالية والحريات الفردية واحترام حق الإنسان في أن تكون له حياته الخاصة وتجريم أي انتهاك لهذه الخصوصية.. واليوم انهارت هذه القواعد والمسلمات.. وصارت حياة الفرد مهددة بسبب التجسس طوال الوقت.. ليس بالمحمول فقط وإنما وصل الأمر الي الثلاجة والتليفزيون.
ما أتعس الإنسان هذا العصر - عصر التجسس - الذي أصبح مكشوفا جدا.. لم يعد بمقدوره الحفاظ علي أية خصوصية.. أصبح يخاف ويتشكك في الأجهزة الأليكترونية التي تحيط به من كل جانب ولا يستطيع الاستغناء عنها.. لذلك سيظل يعيش محاصرا ومخنوقا في توتر وخوف وشكوك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف