شكرى القاضى
علي هامش التغييرات الصحفية
علي خلفية التغييرات الوشيكة للقيادات الصحفية. تحضرني مقولة للسيد المسيح ـ عليه السلام ـ مفادها: أن من عاش بحد السيف مات به. فالتغيير بات وشيكا. وإعلان الأسماء سوف يقطع الشك باليقين. وها هم أعضاء الجمعيات العمومية في المؤسسات الصحفية من صحفيين وإداريين وعمال يتهامسون حول الأسماء المحتملة لقيادة مؤسساتهم. خاصة أن القرار السيادي يمكن أن يتغير في أية لحظة. ولا شئ مضموناً علي الإطلاق. فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لعبده مشتاق علي وجه الخصوص. لكن الأمر المؤكد أن الهيئة الوطنية للصحافة تواجه موقفا صعبا للغاية. فقد تضطر إلي اختيار اسماء لا تنطبق عليها المعايير لعدم وجود البديل الأنسب. وأتوقع أن يشتمل قرار التغييرات علي اسم محترم للغاية لعضوية الهيئة بعد استقالة الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب.
¼¼ الغريب أن لغة المصالح تطفو علي السطح بوضوح رافعة شعار: "عاش الملك.. مات الملك" حيث تشهد المؤسسات الصحفية تزاحمًا ملحوظا في مكاتب المرشحين لمناصب الإدارة والتحرير لتقديم فروض الولاء والطاعة. فلا يهم من يأتي ومن يذهب لكن المهم ألا تتأثر مصالحهم. وهذا مؤشر ينذر بالخطر علي المهنة. فالصحفي الحقيقي هو من يقدم مصلحة المهنة علي ما عداها وكم من رئيس مجلس إدارة أو رئيس تحرير لم يحالفه التوفيق في عمله. وفي المقابل كم من قيادة صحفية عملت بإخلاص من أجل المهنة والصالح العام. فإذا بها تواجه خطاب كراهية لا يحتمل من المغرضين وأصحاب المصالح.
ولا يختلف اثنان علي أن المؤسسات الصحفية القومية علي وجه الخصوص في حاجة ماسة إلي تحقيق الاستقرار للتعامل مع الظرف الراهن الذي تمر به البلاد. فالوطن هو أغلي ما نملك. وعلي عاتق الصحافة تقع مسئولية مواجهة الفكر المضاد والتصدي للمتربصين بالأمن القومي في الداخل والخارج. والاستقرار المنشود مرهون بقدرة القيادات علي لم الشمل من ناحية. والتناغم بين الإدارة والتحرير واحترام كل جهة لاختصاصات الأخري من ناحية أخري فكم عانت بعض المؤسسات الصحفية الكبري من تلك المشكلة والأمثلة متعددة.
¼¼ ودعوني أحدثكم عن صحفي عملاق تولي إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر لسنوات طوال في الربع الاخير من القرن العشرين. نعم أحدثكم عن الاستاذ محسن محمد "1928 ـ 2012" فقد عىين الاستاذ رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية في مارس من عام 1975. وجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير منذ مارس عام 1977 بامتداد تسع سنوات. ومحسن محمد. وما أدراك ما محسن محمد. فقد كان صحفيا من شعر رأسه إلي اخمص قدميه. ارتبط اسمه أكثر ما ارتبط باحداث ثورة صحفية في صحافة دار التحرير. واستطاع ان يدرب جيلا كاملا من شباب الصحفيين بين جدران دار التحرير مازال العشرات منهم يواصلون العطاء حتي اليوم في الجمهورية واخواتها من الإصدارات الأخري. فإذا به يدخل أبوابا جديدة لأول مرة في الصحافة المصرية ـ جميعها أبواب خدمية ـ لكنها كانت تلبي مطالب القراء. مما أدي إلي ارتفاع ملحوظ في توزيع الجمهورية. وفي عهد محسن محمد شهدت الجمهورية كماً هائلاً من التحقيقات الصحفية التي سلطت الضوء علي هموم ومشاكل المجتمع المصري في كافة أرجاء المحروسة. فإذا بمحرري الجمهورية يدخلون القري والنجوع والحارات لإلقاء الضوء علي صناع الأمل من كافة المهن والحرف. وإذا بالقارئ المصري يبحث عن نفسه بين صفحات الجمهورية مع مطلع كل صباح. وفور صدورها من المطبعة فقد كانت الجمهورية من الصحف السباقة التي تصدر ليلا. وقبل ان يحل موعد توزيعها في صباح اليوم التالي.
¼¼ آخر الكلام:
كان استاذنا محسن محمد من عشاق صاحبة الجلالة عموما. وجريدة الجمهورية علي وجه الخصوص. ولذا فقد تألم للغاية فور اقالته من منصب رئيس التحرير يوم التاسع والعشرين من يونيو عام 1984. رغم استمراره في موقع رئيس مجلس الإدارة. فلم تكن الإدارة تستهويه. وفي الفترة التي جمع فيها بين المنصبين تخلي عن مهام رئيس مجلس الإدارة للعضو المنتدب الاستاذ عبدالحميد حمروش ـ رحم الله الجميع ـ وعندما عين الاستاذ محفوظ الأنصاري رئيسا لتحرير الجمهورية بديلا عنه لم يتحمل الاستاذ محسن محمد القرار. وكتب في عموده اليومي "من القلب" في اليوم التالي لصدور القرار يقول: "هذا هو اليوم الأخير لي رئيسا للتحرير. ومن واجبي أن أقدم كشف حساب للقاريء عما تحقق في الجريدة منذ أن توليت المنصب. فقد كانت السنوات التسع الماضية من أجمل أيام عمري حققت فيها آمالي الصحفية ونجحت فيما فشل فيه غيري بفضل مائتي صحفي من الشبان كان اختياري لهم لإضافة دم جديد دفع بالجمهورية إلي أعلي".
رحم الله أستاذنا محسن محمد. فكم أدين له بالفضل في استمراري بالعمل في بلاط صاحبة الجلالة. وكم أفاخر بتوقيعه علي قرار تعييني بمطلع الثمانينيات.