الهجوم الممنهج الذي يتعرض له الأزهر الشريف ورموزه هو جزء من المحاولات المستمرة لهدم الأركان والثوابت الأساسية للدولة.. وجزء من المؤامرات التي تستهدف التشكيك في القواعد التي يرتفع عليها بناء الوطن.. فالأزهر منذ نشآته وهو ليس مجرد جامع وجامعة وإنما رمز للسلام والإسلام والسماحة والثقافة.. ومدرسة لنشر الفكر الوسطي ومواجهة أشكال العنف والتطرف وفتاوي استباحة الدماء والأعراض.
إن شيوخ الأزهر علي مر التاريخ قامات وعلماء لهم قدرهم الديني والعلمي منذ الإمام الشيخ محمد الخرشي وهو ينتمي إلي المذهب المالكي عام 1679 وحتي 1690 ثم إبراهيم البرماوي وهو ينتمي إلي المذهب الشافعي من 1690 إلي 1695 ثم محمد النشرتي مالكي المذهب عام 1695 إلي 1709 مروراً بالشيخ محمود شلتوت والشيخ حسن مأمون والشيخ محمد الفحام والإمام الجليل عبدالحليم محمود والشيخ محمد عبدالرحمن بيصار والشيخ جاد الحق علي جاد الحق والشيخ محمد سيد طنطاوي والشيخ أحمد الطيب.. ولو استعرضنا التاريخ العلمي ومؤلفات كل منهم ومدي إثراء المكتبة الإسلامية والثقافية بأعمالهم وخدماتهم الجليلة للإسلام وسماحة الإسلام ونشر الفكر الوسطي.. وتصحيح مفاهيم الغرب عن الإسلام وأنه دين حياة وتعايش ودين علم وعمل وتحاور وقبول الآخر.. لو استعرضنا تاريخ كل إمام قاد الأزهر الشريف لاحتجنا مجلدات.
وعلي سبيل المثال لا الحصر طالعوا باختصار كيف ساهم شيخ جليل مثل الإمام عبدالحليم محمود وهو مثل كثير من الأئمة الأفاضل يجيد العديد من اللغات.. كيف ساهم في نشر الإسلام في الغرب وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة لدي ملايين الغرب عن الإسلام.. والفكر المغلوط بأن الإسلام نشر بالسيف والحروب والقهر وإجبار الآخر علي اعتناقه.. كل هذه المفاهيم المغلوطة عن صحيح الإسلام وسماحته كدين حياة وعمل وعلم وتعايش كان للأزهر علي مر تاريخه دور كبير في نشر وتصحيح فكر الآخر عن الإسلام.
***
وعندما كانت بذور التطرف والعنف تطل برأسها علي مجتمع يعيش في كنف الأزهر لأهداف سياسية كان الأزهر صوت الإسلام الوسطي.. والسماحة وتحريم الدماء والأعراض ولو كانت دماء وأعراض يهودية فقد عايش الرسول الكريم الرحمة المهداة قبائل يهود بنو النضير وبنو قينقاع ولقوا منه أفضل معاملة ومنهم من دخل الإسلام.. لأنهم وجدوا فيه العدل والسماحة والإحسان.. والخلق الرفيع.
وكان أئمة الإسلام عندما يبعثون رسلهم لنشر الدين.. في قمة الحرص علي أن يكون المبعوث نموذجاً لصحيح الدين وسماحته.. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسله: "ادعوا إلي الله وأنتم صامتون" وتلك عبارة بليغة.. فالعمل والسلوك والخلق أفضل مائة مرة من كلام لا يصدقه عمل وقول غير مقرون بالفعل.
***
المؤسف في الهجوم علي الأزهر أن يأتي في توقيت نحن أحوج فيه إلي وحدة الصف وتصحيح الفكر والمفاهيم الخاطئة.. والفكر المتطرف.. وقت يجب أن تتوحد فيه الجهود لمواجهة الإرهاب الذي يضرب الدولة في العمق.. وفي وقت هناك قضايا ملحة هي أولي بالبيان أو الاستجواب أو المناقشة تحت قبة البرلمان.
وكان الأجدر والأولي بالنائب أن يناقش مشاكل دائرته وتحسين خدمات المواطن البسيط.. بدلاً من أن يفتح النار علي منارة الأزهر وشيوخه الكرام الأفاضل.. وأذكر أنه في عهد الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب طلب نائب تقديم استجواب لفضيلة الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله.. فكان رد د.سرور أن مقام شيخ الأزهر أرفع من استدعائه للاستجواب أمام البرلمان.. تلك هي مكانة الأزهر وشيوخه الأفاضل.. عودو إلي تاريخ الإسلام والمسلمين الأوائل.. وسماحة الإسلام.. عودوا إلي الرسول الكريم وكيف عامل الأسري وكيف عامل الآخر.. عودوا إلي تعاليم الرسول لقادة الفتوحات الإسلامية.. لا تقتلوا طفلاً.. ولا امرأة.. ولا شيخاً ولا تقطعوا شجرة.. منع أن تقطع شجرة خضراء مثمرة.. فكيف يحرم قطع ثمرة ويستحل قطع رقبة.. إن الإسلام بريء من سفك الدماء وقتل الآخر.. الإسلام دين سماحة وسلام.. طهروا قلوبكم وأجنداتكم.. وارفعوا أيديكم عن الأزهر.