مدبولي عثمان
ويبقي الأزهر.. ويذهب الأقزام والأزلام
"كان الأزهر ولا يزال كعبةً يحج إليها الناس من أقطار الأرض. ينهلون من ورده. ويقبسون من نوره. وأعظم ما يدلنا علي ما لهذا الجامع من مقامي عظيمي في العالم الإسلاميِّ. هو عدد أسماء الذين يؤمونه من أقطاري خارج مصر. تمتد من أواسط أفريقية. إلي روسية. ومن أقاصيِّ الهند إلي مراكش¢. وردت هذه العبارة في موقع ¢ قصة الاسلام¢ نقلا عن دائرة المعارف العربية لبطرس البستاني صفحة 65. ورغم أنها عبارة مختصرة إلا أنها تكشف بوضوح عن دور الازهر وأهميته في حياة مصر والعرب وكل المسلمين. وهي شهادة حق من رجل لبناني مسيحي يعد من أكبر زعماء النهضة العربية. لأنه أول من ألف قاموسا عربيا عصريا مطولا "معجم محيط المحيط". وأول من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية الحديثة.
والواقع علي الارض يؤكد تلك الحقيقة. وكشفپ كوناتي لوسيني. الأمين العام لبرلمان الطلاب الوافدين وهو من دولة كوت ديفوار. في تحقيق نشر بمجلة المصور الشهر الماضي أن عدد الطلاب الوافدين الذين يدرسون في الأزهر الشريف يبلغ حوالي 40 الف طالب وطالبة قادمين من 149 دولة.
تواكب انشاء مسجد الأزهر مع إنشاء مدينة القاهرة . فعندما دخل الجيش الفاطمي مصر بقيادة جوهر الصقلي 11 شعبان سنة 358هـ "الموافق ه يوليه 969م" كانت عاصمتها الفسطاط. ولكنه شرع بعد 6 أيام فقط بوضع أساس مدينة القاهرة في 17 شعبان سنة 358 هـپ لتكون مقرا للدولة الفاطمية بدلا من القيروان. بعدها بقرابة عام قام الصقلي بوضع أساس جامع القاهرة. واستغرق بناؤه قرابة سنتين.
وجاء في خطط المقريزي: "كان البدء في إنشاء الجامع الأزهر في يوم السبت لستي بَقَيْنَ من جمادي الأولي سنة 359هـ / أبريل 970م. وكمُلَ بناؤه لتسعي خلون من شهر رمضان. سنة 361هـ / يونيو 972م. وهو الجامع الذي يعرف في وقتنا هذا بالجامع الأزهر. ويسمي في كتب التاريخ بجامع القاهرة".
واختلفت الروايات علي سبب تسميته بالأزهر . قال فريق من المؤرخين أنه سُمِّيَ بذلك تفاؤلًا بما سيكون له من الشأن العظيم والمكانة الكبري بإزهار العلوم فيه. وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: "أن انشاء الفاطميين لهذا المسجد يفسر الاسم الذي أطلق عليه. فقد قيل أن الزهر إشارة إلي الزهراء. وهو لقب فاطمة بنت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- التي سُمِّيَ باسمها أيضًا مقصورة في المسجد".
ويمتد عمر الأزهر پالي 1035 عاماً لا يختلف احد علي دوره الريادي في العلم والتعليم وفي دوره القيادي للحركة الوطنية. واتذكر ونحن في مرحلة الدراسة الجامعية قبل 36 عاماً عندما كنا نخرج في مظاهرة احتجاجية ضد سياسات الحكومة كنا نتساءل: هل خرج طلاب جامعة الازهر؟. فكان خروجهم ينشر الاطمئنان بيننا والتفاؤل بزيادة الضغط علي الحكومة.
ويعتبر الأزهر أول من قاد حركة المقاومة ضد مظالم المماليك والولاة الموالين للسلطان العثماني . ويروي المؤرخ الجبرتي في يومياته "تاريخ الجبرتي" الكثير من الأمثلة علي الدور المهم لطلاب الأزهر. والذين عرفوا آنذاك باسم "المجاورين" نسبة إلي معيشتهم في جوار الأزهر. في تصديهم لانتهاكات عسكر المماليك للأحياء والبيوت.
أما عن الدور المشرف لمشايخ الأزهر وعلمائه فيروي الجبرتي نموذجا منه قائلا: "في سنة 1209هـ"1795م" اعتدي أمراء مماليك علي بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر. وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم فغضب وجمع المشايخ. وأغلقوا أبواب الجامع وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر واحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب. فأرسل إبراهيم بك شيخ البلد لهم أيوب بك الدفتردار. فسألهم عن أمرهم. فقالوا: نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات "الضرائب". وخشي زعيم الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلي علماء الأزهر يبريء نفسه من تبعة الظلم. ويلقيها علي كاهل شريكه مراد بك. وأرسل في الوقت نفسه إلي مراد يحذره عاقبة الثورة. فاستسلم مراد بك ورد ما اغتصبه من أموال. وأرضي نفوس المظلومين. لكن العلماء طالبوا بوضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان. واجتمع الأمراء مع العلماء. وكان من بينهم الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير. وأعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء.
وفي العصر الحديث قاد الأزهر المقاومة ضد الحملة الفرنسية. وضد الاحتلال الانجليزي. ويعتبر سعد زغلول قائد ثورة 1919 احد خريجي الازهر. وعندما وقع العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 توجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلي الازهر وخاطب الجماهير فانطلقت المقاومة الشعبية ضد المعتدين.
تولي مشيخة الأزهر 48 عالماً أولهم الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي خلال الفترة من 1679 حتي 1690. وحاليا الدكتور الطيب . الغالبية العظمي منهم پأصحاب مواقف في مواجهة الحكام.
ودائما يتعرض الازهر لهجوم من جانب أعداء الامة ومعاونيهم وأحيانا من بعض أبنائه. ولكن بقي الأزهر وسيبقي ويذهب الأقزام والأزلام.