د. ابراهيم نجم
العالم متعطش دينيا إلى مصر
تتوالى الأحداث العالمية بوتيرة متسارعة، ويخوض العالم وفى مقدمته مصر حربًا ضروسًا على الإرهاب بكافة أشكاله الفكرية والمسلحة .. وإن ما حققته مصر منفردة ودون دعم يذكر فى محاصرة تمدد الإرهاب فكريا وعسكريا والقضاء عليه ، قد أدهش العالم أجمع ، وأصبحت مصر محط أنظار العالم .. ولن نكون مجاوزين الحد إذا قلنا : إن جميع مؤسسات العالم تشيد بالتجربة المصرية وتفيد من خبراتها وتحذو حذوها فى محاربة العنف والإرهاب كما لن نتجاوز الحقيقة إذا أكدنا تعطش العالم دينيا لمصر .. هذه الحقيقة لمستها فعليا من المسئولين الأوروبيين الذين التقيتهم أثناء زيارة فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية الأخيرة لبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى ولقائه العاهلَ البلجيكى الملك فيليب، وأنطونيو تايانى رئيس البرلمان الأوروبى وعدداٍ من أعضاء البرلمان الأوروبى إلى جانب المفكر والسياسى المخضرم فان رومباى رئيس الاتحاد الأوروبى ورئيس وزراء بلجيكا الأسبق والمسئولين الأوروبيين اعترفوا بخطورة المرجعيات الدينية الأخرى ( يقصدون غير المصرية ) التى تحاول نشر مذاهبها المتشددة بين أوساط مسلمى أوروبا، مؤكدين فى أحاديثهم الخاصة لفضيلة مفتى الديار المصرية أن تلك التيارات تحمل انحرافاً فكريا نتج عنه العديد من المشكلات بين الأوساط الإسلامية التى تعيش فى أوروبا، وأدخل مسلمى أوروبا فى حالة من الصراع مع مجتمعاتهم التى يعيشيون بها نتيجة تبنيهم نزعات متطرفة تولدت فى عقولهم عقب الغزو الفكرى من تلك التيارات المنحرفة عن وسطية وسماحة الإسلام الذى نعلمه من خلال كتابات المفكرين المنصفين، وتحليلات العلماء الراسخين المتخرجين فى المؤسسة الدينية المصرية .
المسئولون الأوروبيون وصفوا تلك المرجعيات الدينية المتشددة الغازية لأوروبا بأنها تبذل جهدا خارقاً لتشويه صورة الدين الإسلامى بتصدير مفاهيم عنف ودماء وخراب، تعكس حقيقة الدين الإسلامي، مستغلة حالة الحرية الفكرية المطلقة التى تنعم بها المجتمعات الأوروبية، ولم يقف أثر دعواتهم المنحرفة على شخوصهم المريضة بل أسهموا فى انخراط عدد من الشباب الأوروبى لفكرهم الدموى وتنفيذ عمليات عنف تستهدف الآمنين، مما حدا بكثير من مؤسسات المجتمع الأوروبى إلى دق ناقوس الخطر، والمناداة بضرورة الإفادة من خبرات مؤسسات الوسطية الدينية وفى مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية فى محاربة ومحاصرة تلك الظاهرة التى لابد أن تقاوم أولا بالفكر والعلم .
لقد أدرك المجتمع الأوروبى الآن خطر ترك الحرية للإرهابيين للتعبير عن أفكارهم واستقطاب أبنائهم وجذبهم بوسائل مختلفة وفى مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعى وغرف الدردشة إلى الاقتناع بأفكار تلك التنظيمات والانخراط فى صفوفها والعمل على دعمها والدعاية لها .. الكل يستشعر الخطر والجميع يبحث عن مخرج لهذه الورطة التى تعانى منها المجتمعات الأوروبية وهو خطر حقيقى بكل المقاييس.
أكد المسئولون الأوروبيون خلال لقاء مفتى الجمهورية أن مصر بفكرها الوسطى تمثل لهم طوق النجاة من مخاطر السقوط والانحدار إلى مستنقع الإرهاب البغيض، وجميعهم يرغبون وسط هذا الضجيج وفوضى الفتاوى والتوجهات الدينية المنحرفة فى سماع صوت مصر الديني، هذا الضجيج الذى يملأ الدنيا صخبًا ولا يلبى الاحتياجات المتزايدة للمسلمين الأوروبيين فى بلورة صيغة تعايش حقيقية تخرجهم من نكد الانفصام بين القيم الأوروبية وبين التمسك بالإسلام، بعدما أوهمتهم تلك التيارات المنحرفة أن المواطن الأوروبى حتى يتمتع بإسلام صحيح لابد أن يعيش حالة من العداء والمفاصلة بينه وبين مجتمعه بحجة التباين الدينى أوصلوه إلى درجة الحرب والعداء، وأن مجرد الانتماء الفطرى والغريزى لتلك الأوطان والمجتمعات الأوروبية ليتعارض تماما مع الدين الإسلامى ومع تعاليم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
رغم صبغة الكراهية الشديدة التى تبدو فى تلك الأفكار إلا أن حالة التأزم النفسى والجهل بقيم الإسلام الحضارية وتعاليمه السمحة قد جعل بعض الشباب الأوروبى يصدقون هذه الأفكار ويروجون لها، مما جعل بعض المعادين للدين الإسلامى يجدون الفرصة سانحة للانقضاض على الدين الوسطى ويشوهنه بالكلية، لكن هذا التوجه لا يمثل السمة العامة للأوروبيين فهم لا يرفضون الإسلام ولا المسلمين بالكلية بل هم يريدون إسلاما أوروبياً متسامحا مع النفس ومع الآخر.. إسلاما يحترم القوانين ولا يسعى لإنشاء مجتمعات موازية منعزلة عن الثقافة الأوروبية، بل على العكس تماما فهم يتعطشون لهذا الإسلام الذى يدعو إلى بناء جسور التعاون والتعارف بين البشر..
الإسلام الذى جاء ليرسخ فكرة التعددية والتكامل بين البشر.. الإسلام الذى يسعى لاستقرار المجتمعات ويسهم فى بناء الحضارة الإنسانية لقد أدرك المسئولون الأوروبيون المخاطر المحدقة بهم بل وبالعالم أجمع، ويتابعون عن كثب تلك الأرقام المخيفة من الشباب الأوروبى التى التحقت بداعش وأخواتها، وعندهم إحصاءات بخطر التطرف الذاتى الناشئ عن الوقوع فى براثن الجماعات المتطرفة فى الفضاء الإلكتروني، وليس لهم سلطان على المساجد المنتشرة فى أنحاء أوروبا وتنشر بين الناس فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ويتبعون الظن وما تهوى الأنفس.
السؤال : لمن يلجأون إذن؟ ومن القادر على فك هذه الشفرة المستعصية؟ إنها مصر وحدها بما تملكه من أدوات معرفية وتاريخ وخبرة ودواء ناجع للمشكلات الدينية التى يمر بها العالم الآن.
إن التواصل بين دار الإفتاء المصرية والبرلمان الأوروبى يمكن أن يحدث كثيرا من النتائج والفوائد التى تساعد على إيجاد الحلول لتلك المشاكل، وإن الجهد الكبير الذى تقوم به دار الإفتاء الآن تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء سوف يسهم بشكل إيجابى واسع فى محاصرة هذه الظاهرة.