فى رحلة بحثه عن أسرار تقدم الدول، تساءل الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق فى مقال له بصحيفة «المصرى اليوم» عن تأخر مصر فى احتلال مكانة أكثر تقدما مما هى عليه الآن؟.. هذا رغم أنها مؤهلة لذلك بحكم تاريخها، وموقعها، ومواردها البشرية. وأجاب الوزير على سؤاله الذى لم يفارقه منذ أن كان شابا، بقناعته بأن طبيعة النظام السياسى هى مربط الفرس، وليست الثقافة الموروثة، أوالموقع الجغرافي، أو السياسات الاقتصادية الرشيدة. وأن ما يفصل بين النجاح والفشل يكمن بشكل أساسى فى درجة ما يوفره النظام السياسى لمواطنيه من حرية فى الإبداع والإنتاج والقدرة على المنافسة، دون محاباة، فى إطار من المشاركة السياسية الفعالة والمساءلة عن النتائج.
الوزير الأسبق خرج بهذه النتيجة الآن، بعد نسيانه تساؤلاته وقت توليه الوزارة، ولكنها عادت لتلح عليه حاليا وهو معفى من المنصب الحكومي.
مأزق ما نعيشه هو أن المسئول يتناسى أفكاره تماما وقت توليه منصبه، ثم يعود للتنظير بعد خروجه من الوزارة، وإن كنت أتمنى أن يعود كل وزير لمنصبه الوزارى بعد فترة من خروجه ليطبق أفكاره التى طالما ظل ينادى بها بعد تركه المنصب وتحلله من القيود والمسئوليات.
ومأزقنا نحن المصريين فى وزرائنا، هو التمادى فى إصدار تصريحات وهمية كنوع من المسكنات لأزماتنا الاقتصادية، ولا يعفى أى وزير فى كل الحكومات المتعاقبة، لأن معظهم يضع جل اهتمامه إرضاء القيادة السياسية والكذب على الشعب وتضليله.
لن نكرر ما يقوله وزراء الحكومة الحالية، خاصة المجموعة الاقتصادية، لدرجة كدنا نلقى على أسماعهم ما قاله بيرم التونسى فى أهل المغنى زمان، عندما خاطبهم بعنف قائلا: «ياأهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله».
فالوزراء مثل أهل المغني، لا يملون من ترديد جمل كاذبة وآمال وهمية، لعلها تسكت المواطن الجوعان وتهدئ من روعه. وللذين يريدون مراجعة ما أقوله، عليهم الاطلاع على وزراء التموين والاقتصاد والزراعة والمالية والتخطيط على مدى الأشهر الماضية، فهم جميعا يتحدثون عن إجراءات الحكومة لخفض الأسعار وتوفير السلع الأساسية وضبط الأسواق..ويكفى أن مسئولا صرح قبل شم النسيم بأن سمك البلطى سيباع فى المجمعات الاستهلاكية بـ5 جنيهات!
أزمة هؤلاء هم أنهم يعتقدون أن الشعب صدقهم، ويغفلون أن الشعب أكثر ذكاء لأنه يطبق حكمة إلهية وهى «وبشر الصابرين».