لعل الحكومة أفاقت من غفوتها وبدأت تتحسس الطريق نحوسياسة مالية ذكية تتحاشي إهدار الموارد العامة وتوقف نزيف مشروعات مفتوحة يعلوها الصدأ رغم إنفاق المليارات عليها بعدما تحولت إلي مجرد استثمارات تحت التراب .. ولعل الجميع يعلم مهزلة المستشفي الذي قام رئيس وزراء سابق بافتتاحه رسميا لكنه تم إغلاقه عقب الافتتاح لسبب مضحك ومحزن هو عدم تخصيص موازنة مالية للتشغيل من أجور وغيرها لتتحول إلي أموال مهدرة وتصبح مثل خيال المآتة ! .. أقول لعل الحكومة أفاقت بعدما قامت وزارة المالية بإعداد نظام لإدارة المعلومات المالية الحكومية وهوالمشروع الذي طرحه وليد عبد الله عبد العزيز مدير المكتب الفني لرئيس قطاع الموازنة العامة بالوزارة، وهو جهد يستحق التقدير لعله يعيد إصلاح ما أفسدته الأوضاع السابقة . والحقيقة أن العديد من الخبراء أثنوا عليه مثل مستشار وزير التخطيط عبد الفتاح الجبالي، ومدير عام قطاع البحوث بالبنك الأهلي المصري سابقا د. سلوي العنتري، وأستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية جامعة القاهرة د. أمنية حلمي التي دعتهما في لقاء بالمركز لبحث سبل إصلاح إدارة المالية العامة، ووفقا لما قاله الجبالي فإن الحل يتمثل فيما يسمي بالسياسة المالية الذكية التي تستهدف حسن إدارة الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية .. المهم توافر سياسة مالية حذرة تأخذ في الحسبان المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد والأهم أن النظام الجديد يوفر المعلومات عن المشروعات المفتوحة .
نموذج المستشفي اياه تكرر كثيرا، فالمشروع الذي يتكلف 10 ملايين جنيه مثلا يخصص له مليون فقط ليتم البدء في تنفيذه ثم يتوقف عقب نفاد هذا المليون والأخطر هو عدم استكمال التمويل لسنوات والنتيجة تراكم التراب علي تلك الاستثمارات وهكذا تتكرر المهزلة .. ولعلي هنا أشير إلي مثال حي لمشروع للصرف الصحي بدأ منذ قرابة 15 سنة بقري ثلاث هي عرب الصوالحة وجهينة والعليقات في القليوبية ولم يستكمل حتي الآن، وبدلا من استكماله ــ وهوالأدهي ــ وجود نية لإنشاء محطة لتنقية مخلفات الصرف الصحي لـ 7 قري بعيدة تماما عن المنطقة في أرض زراعية تلاصق القري الثلاث مما يحيل حياة سكانها إلي جحيم بسبب التلوث ، وهو ما يعني تعمد عدم الشفافية وربما الفتنة لا قدر الله .. يبدو أن الاستثمارات ليست الوحيدة التي يعلوها الصدأ وإنما النوايا أيضا !