أحمد السرساوى
نوبة صحيان .. حكايات العم .. «جون سونج» !
كنا بداية التسعينيات.. مجموعة من الأصدقاء الغرباء التقينا في مدينة ميونخ الألمانية عاصمة الثقافة والاقتصاد لولاية بافاريا.. كان اللقاء علي شرف صديقنا الكوري »جون سونج» الذي يدرس الموسيقي الكلاسيكية في أعظم بلادها »ألمانيا».. و»جون» هو اسمه الحقيقي، أما »سونج» فهو الاسم الذي كنا نطلقه عليه علي اعتبار أنها تعني »أغنية» بالانجليزية ، كما انها قريبة من اسمه الحقيقي الثاني »يونج».. أما كلمة العم فقد اكتسبها من دعابة »رايموند» صديقنا الألماني، لأن ملامح جون ومشيته كانت تبدو أكبر بكثير من شاب في منتصف العشرينيات.
و رغم كثرة المواهب الفنية في شخصية »جون» إلا أن حديثنا كله كان عن قرب عودته لبلاده كوريا الجنوبية، ومخاوفه من جنون الأسعار هناك بل انفلاتها »في ذلك الوقت» وعدم استعداده لتحمل تكاليف الحياة هو وعائلته الصغيرة.. كانت كوريا الجنوبية في بداية التسعينيات بدأت انطلاقتها الاقتصادية، وكان الكوريون يصرخون من عدم قدرتهم علي مجاراة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، لكن الدولة كانت بالفعل اتخذت قرارها بالانفتاح علي العالم خاصة في مجالات التعليم والتكنولوجيا والتجارة والصناعة، فكانت من أهم اسباب وضع البلاد علي »منصة صواريخ التقدم» التي جعلت سيول في عام 2010 عاصمة للاقتصاد رقم 14 علي العالم، وسادس أكبر مُصّدر للخارج ، وواحدة من عمالقة مجموعة العشرين الصناعية.. لكن كوريا استغرقت لهذا الصعود حوالي 30 سنة، اختزلتها الصين في رحلة صعودها للنصف تقريبا..أي 15 سنة، واختزلتها البرازيل أكثر »رغم مشاكلها» إلي ثماني سنوات.
حكاية مخاوف»جون يونج» القديمة..الذي يعيش حاليا سعيدا مع أسرته في سيول العاصمة ويعمل بدار أوبراها للموسيقي الكلاسيك.. ذكرتني بما نعيشه في بلادنا، فمصر ليست بعيدة عن هذا الحلم.. فنحن نشغل الترتيب 23 علي العالم اقتصاديا وفقا للبنك الدولي ونسبق بولندا والأرجنتين وهولندا وماليزيا.. ونأتي بعد الدول الصناعية العشرين بدرجتين فقط، رغم توقف عجلة الانتاج بعد ثورة 25 يناير لسنوات.. لكن المؤشرات الإيجابية بدأت في التفتح.. والعجلة بدأت في الدوران »رغم زمجرتها» و»فرقعة» الإرهاب.. وفي المقابل زاد احتياطي النقد الأجنبي في الشهر الماضي لأكثر من 28 مليارا و600 مليون دولار ليقترب من سقف الثلاثين مليارا، وارتفعت الصادرات لنحو 15% ، وتراجع بالتالي العجز التجاري بنسبة 46% ، وزادت تحويلات المصريين بالخارج إلي 8 مليارات دولار خلال 2017، وبدأت تهل علينا الاستثمارات الأجنبية الضخمة وآخرها »علي ذكر كوريا الجنوبية» 3 مليارات و700 مليون دولار لإنشاء مجمع للبتروكيماويات، والبنك الدولي يرفع تصنيف مصر 4 مراكز دفعة واحدة في تقريره الأخير »منذ يومين» عن أنشطة الأعمال.. هذه حقائق وليست »أمنيات» عن مصر القادمة.