المصريون
عبد الرحمن الخضرى
خدعوك فقالوا إن ميراث المرأة نصف الرجل
بعض الجهلاء يزعمون أن الإسلام بخس المرأة حقها في الميراث وجعلها على النصف من نصيب الرجل ويريدون على حد زعمهم رفع الظلم عن المرأة بتسويتها في الميراث مع الرجل.
ومن الخطأ تعميم القول بأن المرأة في الميراث الإسلامي تأخذ نصف نصيب الرجل، بل الحق أن المرأة لها أربع حالات فقط ترث فيها نصف الرجل .وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا. وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل. وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
فالحالات الأربع التي ترث فيها المرأة نصف الرجل هي وجود البنت مع الابن ووجود الأخ مع الأخت الشقيقة ووجود الأخت للأب مع الأخ للأب وجود بنت الابن مع ابن الابن. فالإسلام الذي أوجب علي الرجل أن يمهرها وأن ينفق عليها وعلى أولادها، وأن يدع لها رأيها وعملها في أموالها، أوجب علي المرأة أن تدع من ناحية أخري.
والحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل هي ميراث الأم والأب مع وجود ابن الابن، وبعض حالات الجد والجدة وميراث الإخوة للأم مع أخوات الأم، وميراث الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق أحيانا، والأخوات مع الإخوة والأخوات لأم، والبنت مع عمها، والأب مع أم الأم وابن الابن، والأختين لأم مع الأخ الشقيق في وجود زوج وأم علي قضاء عمر بن الخطاب، والأخت الشقيقة مع الزوج، وميراث ذوي الأرحام في مذهب أهل الرحم فهم متساوون في الإرث. كما ترث المرأة مثل الرجل إذ انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًا. وذلك لو ترك أبا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا ، ولو ترك أما فسترث الثلث فرضًا والباقي ردا عليها .
والحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل كثيرة نذكر منها حالة الزوج مع ابنتيه، فله الربع، ولهما الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث. والزوج مع ابنته الوحيدة، فله الربع، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضا .وكذا الحالة التي تخلف فيها امرأة زوج وأم وأخت شقيقة فإن الفارق يكون كبير جدا إذ تأخذ الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نظيرها الأخ الشقيق.
والحالات التي ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل نذكر منها المرأة التي توفيت عن زوج وأب وأم وبنت وبنت ابن ترث بنت الابن بالفرض، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن فإنه لا يرث شيئا. ونذكر أيضا حالة ميراث الجدة أم الأم فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها أب الأم من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد. كما نذكر حالة وجود البنت أو بنت الابن ومعها أخت شقيقة أو أكثر ووجود إخوة لأب فللبنت النصف والباقي للأخت أو الأخوات ولا شيئ للإخوة للأب حيث حجبتهم الأخت الشقيقة لوجودها مع البنت.
وباستعراض حالات الميراث في علم المواريث يتضح جليا أن الأنصبة في ألإسلام لا تختلف طبقًا للنوع أو للجنس، وإنما تختلف طبقًا لدرجة القرابة بين الوارث والمورث ذكرًا كان أو أنثى. فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين، فترى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها وهي أنثى بينما يرث أبوها ربع التركة وذلك لأن الابنة أقرب من الزوج فزاد الميراث لهذا السبب .
كما تختلف الأنصبة طبقا لموقع الجيل الوارث. فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها، بل تصبح أعباؤها - عادة - مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها .
وتختلف الأنصبة أيضا مراعاة لتفاوت العبء المالي. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الرجل والمرأة، لكنه تفـاوت لا يفـضى إلى أي ظـلم للمرأة أو انتقاص من حقها، بل يفضي إلي العدالة والرعاية والعناية. فالمرأة في الإسلام، ذات مكانة ورعاية، فلا تطالب بدفع مهر بل يدفع لها، ولا تطالب بالنفقة، وإنما ينفق عليها، ولا تطالب بالسكن، بل من حقوقها السكن، والنفقة ومتطلبات الحياة كثيرة وثقيلة، وعلى الرجل أن يقوم بتلك الأعباء، ومطالب بالإنفاق على زوجته، حتى لو كانت غنية. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين.


د عبد الرحمن الخضري
أستاذ دكتور مساعد بجامعة الأزهر
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف