المساء
مؤمن الهباء
تجوع مصر ولا تبيع جنسيتها
الحقيقة التي يجب أن نصارح أنفسنا بها اننا عندما فشلنا في السياحة وتحويلات المصريين في الخارج وخذلتنا عائدات قناة السويس نتجه الآن لبيع الجنسية المصرية.. رغم المخاطر الجمة التي تنطوي عليها هذه المغامرة غير المحسوبة.. فنحن نتحدث طوال الوقت عن المؤامرة الدولية التي تتعرض لها مصر.. وأن مصر مستهدفة من كل الجهات.. ومع ذلك تفاجئنا لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب بالموافقة علي مشروع قانون يسمح ببيع الجنسية مقابل حفنة من الدولارات.
ويدافع أعضاء اللجنة الموقرة عن قانونهم المقترح بأن هناك العديد من الدول تأخذ بهذا النظام وتمنح جنسيتها مقابل مبلغ معين من المال.. وأن لدينا ملايين المستثمرين أو المقيمين الذين سيكون عليهم وضع وديعة دولارية.. وهذا الأمر يمكن أن يوفر لمصر مليارات الدولارات بسهولة ويسر.. ثم إن منح الجنسية سيكون وفق شروط وضوابط تضعها الدولة.
وقد تعرضت مصر من قبل لأزمات اقتصادية قاسية ولم تفكر أبدا في بيع جنسيتها.. وكان طبيعيا أن تساهم مساعدات الدول الشقيقة والقروض الكثيرة التي حصلت عليها مصر خلال المرحلة الماضية وكان أهمها قرض صندوق النقد في سد الفجوة الدولارية لكن الواضح أن المسألة أكبر مما نتصور.. واننا فقراء جدا جدا.. ومع ذلك تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.. وتجوع مصر ولا تبيع جنسيتها.
والدول التي تبيع جنسيتها مثل أمريكا وكندا واستراليا هي في الأساس دول مهاجرين وليس لديها مشكلة تكدس سكاني ولا تطبق تنظيم النسل لعدم كفاية مواردها ولا تشكو ليل نهار من زيادة عدد السكان.. باختصار هي دول جاذبة.. حالها يختلف عنا تماما.
أضف إلي ذلك أن القادمين بودائعهم - الوديعة 500 ألف دولار - لن يكونوا جميعا بالضرورة مستثمرين.. ولذلك فإن المبالغة في العائد ليست في محلها.. وربما كان الأفضل أن نقدم تسهيلات للفئة المطلوبة من المستثمرين فيما يتعلق بإجراءات الاقامة دون اغفال التشديدات الأمنية.
ولا ننسي أننا إذا فتحنا الباب لبيع الجنسية فسوف تدخل علينا أجناس غريبة يمكن أن تؤثر في هوية الشعب خصوصا إذا كانت هذه الاجناس تمتلك المال وتستطيع أن تدخل به البرلمان وتترشح للحكومة والرئاسة وتمتلك النفوذ السياسي والاقتصادي في بلد فقير جدا يعاني من البطالة والركود.
لدينا بدائل عديدة ومحترمة وآمنة لزيادة عائداتنا من الدولارات مثل فرض رسوم علي إقامة المستثمرين وفرض ضريبة تصاعدية علي أرباح المصانع والشركات لتعويض الأسعار المنخفضة للخدمات التي يتمتع بها المستثمر الأجنبي.. لكن من العيب الحديث عن بيع مصر جنسيتها.. مصر أكبر من ذلك بكثير.
هناك من يطالب بإجراء استفتاء شعبي علي قانون بيع الجنسية.. وفي تصوري أنها خطوة غير دستورية.. بالضبط مثل طلب الاستفتاء علي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.. فلا يجوز - طبقا للدستور - التنازل عن جزء من أرض الوطن.. ومن باب أولي لا يجوز بيع الوطن بتاريخه وجغرافيته ببيع الجنسية ولو باستفتاء شعبي.
مصر للمصريين جميعا .. للفقراء قبل الأغنياء.. للفلاحين والعمال الذين هم ملح الأرض قبل أن تكون للمستثمرين والباشوات الجدد.. للمعارضين والمؤيدين والصامتين والمتكلمين.. مصر ليست ملكا لمجلس النواب لكي يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف