المساء
خيرية البشلاوى
عامل لكل العصور
لم يكن استعباد الآلة للعامل في "العصور الحديثة" بالأمر الهين.. فعلا مأساة لو أصبح الإنسان مجرد ترس في آله عملاقة وجبارة لا يملك أن يمنع التهامها لحياته.
ذلك الزحف المروع "للآلة" يتحول إلي عمل كوميدي يفجر الضحك بسبب المفارقات الناتجة من جراء صراع غير متكافئ بين صعلوك ضئيل الحجم يناطح آلة لا يملك إيقافها والعبقرية أن تتحول المحنة إلي عمل ضاحك ومن دون إخلال بالقضية.
منذ واحد وثمانين سنة ظهر فيلم "الأزمنة الحديثة" "1936" من تأليف وإخراج وبطولة شارلي شابلن "1889 ــ 1977" وظهرت معه شخصية "الصعلوك" بشكله الفريد. وحذائه المميز وشاربه وقبعته وعصاه وملامحه التي لا توحي بحجم العظمة والعبقرية التي خلدته وجعلت منه "أيقونة" باقية في تاريخ السينما.
شارلي شابلن قدم زمن الميكنة كعالم بلا قلب جعل العامل في المصانع يعاني من ظروف بائسة.. وقد صور الفيلم في مرحلة "الكساد العظيم" إبان فترة الثلاثينيات من القرن الماضي. وكان بمثابة تعليق ساخر علي الانهيار المعيشي المرافق لحالة الانهيار الاقتصادي ومن ثم البطالة.
والفيلم يعتبر من باكورة الأفلام التي تناولت قضية العامل ومحنة الحياة لو سيطرت "الآلة".
وبرغم مرور السنوات إلا أن الفيلم كقضية يعتبر صالحا حتي الآن كعمل مثير لواقع لم يختلف من حيث الجوهر.. فقد ظل كفاح الطبقة العاملة ضد ظروفها غير الإنسانية ومن أجل تحسين معيشتها مستمرا حتي هذه الأيام.
عشرات الأفلام بل المئات تم انتاجها في أمريكا منذ ذلك الحين والتي تدور حول ظروف العمل وتكوين النقابات العمالية والجهود الفردية والجماعية التي تبذلها هذه الطبقة والنشطاء المعنيين بها.
وفي عام 1989 تم اختيار فيلم "الأزمنة الحديثة" ضمن سجل الأفلام الوطنية المهمة التي ينبغي حفظها في مكتبة الكونجرس.
وفي عام 2003 تم عرض "الأزمنة الحديثة" خارج المسابقة في مهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا باعتباره أعظم انجازات الفنان الفذ شارلي شابلن وأقدرها علي تجاوز الزمن فهو عمل لكل العصور.
وقد منحه النقاد الأمريكيون علي موقع "روتن توماتوز" "الطماطم الفاسدة" الدرجة النهائية في تقييمهم الذي شارك فيه 35 ناقدا وبالرغم من أنه عمل كوميدي صامت إلا أنه فيلم سياسي أيضا وبامتياز. وحتي الآن يحظي بمراجعات "Reviews) إيجابية جدا.
ومن قوة تأثيره اختار العنوان ذاته "الأزمنة الحديثة" مجموعة الفلاسفة الفرنسيين المشهورين جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار ولوريس مورالو بونتي عنوانا للمجلة الفرنسية الشهيرة بنفس الاسم ذلك بالإضافة إلي أن الفيلم نفسه بموضوعه ظل مصدرا للإلهام بالنسبة لكثير من المخرجين الفرنسيين مثل المخرج آلين رينيه وفيلمه "الحرية لنا".
ويري كثيرون ممن تناولوا فيلم "الأزمنة الحديثة" للعبقري الانجليزي المولد شارلي شابلن ان الفيلم يكتسب معني أرحب وأعمق في هذا الزمان اكثر من أي زمن مضي ومنذ أن بدأ عرضه. ذلك انه يعالج محنة الإنسان في مجتمع صناعي آلي تحكمه الميكنة والمادة وأن شابلن كان بعيد النظر وسابقا لزمانه.. فالصراع العمالي من أجل التصدي لعمليات التغريب والتجريد اللا إنساني في زمن الميكنة موضوع ممتد حتي القرن الحادي والعشرين.. وان هذا العامل الصعلوك الضئيل الحجم في "الأزمنة الحديثة" وكذلك الحاله الكوميدية الصاخبة التي تتفجر في أثناء صراعه من أجل البقاء أصبحت مصدرا للراحة والإلهام والقوة لكل من يقاوم ويكافح في عالم خارج السيطرة.
انه موضوع عالمي. مفعم بالحيوية ومبتكر ورائد وجدير بالخلود.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف