û فيلم "نورما راي". عمل درامي جاد وجيد. يطرح واحداً من الموضوعات المعاصرة المهمة التي تهم فئة العمال. داخل مصنع للغزل والنسيج أو العمال بشكل عام. ذلك لأنه يكرس ويدعم دور الاتحادات العمالية. وأهميتها في تحسين ظروف العمل والأجور. إلخ... وهو في نفس الوقت عمل مسلي وممتع. ومدعوم فنياً بعناصر قوية مثل عنصر الأداء التمثيلي. والتصوير. والإخراج. والموسيقي. والأغنية.. إلخ.. إلخ.
وعلي مستوي المادة الموضوعية والسيناريو يتميز بالذكاء. والنسيج الدقيق المتين. الذي يمزج في تناسق بين النشاط العمالي والدوافع العملية. وبين الأمور الأسرية والعاطفية.
ولكن من هي "نورما راي" التي يشير إليها عنوان الفيلم. الذي أصبح يحتل مكانة بارزة في تاريخ السينما الأمريكية. ويعد أهم فيلم ظهر في حقبة السبعينيات "1979" والثمانينيات من القرن الماضي.
ونورما راي امرأة شابة تعيش في مدينة صغيرة في الجنوب الأمريكي. وتعمل مثل كثير من أفراد أسرتها في مصنع للغزل والنسيج في نفس المدينة. وكذلك يعمل والدها وخطيبها.. إنها أيضاً أم مطلقة.وتعتمد علي موردها الوحيد من المصنع الذي يمنح العمال أجوراً زهيدة مقابل ساعات عمل طويلة.
وتتغير حياة "نورما راي" بعد زيارة "روبين" العامل اليهودي القادم من ولاية نيويورك. والناشط العمالي البارع. والخبير في مجال تنظيم الاتحادات العمالية. وقد جاء إلي ولاية ـ ألاباما ـ حيث يوجد المصنع الذي تعمل فيه "نورما" للترويج لإقامة اتحاد للعمال. وضم المصنع للاتحادات العمالية من أجل تحسين ظروفهم وأجورهم. الأمر الذي يجد هوي وتشجيعاً من "نورما راي" التي تسعي بالفعل إلي تجميع العمال داخل المصنع وإقناعهم بقيمة التضامن والاتحاد. مما يتسبب لها في الكثير من المشكلات.
قامت بدور "نورما راي" وأدته بإبداع وقدر كبير من المصداقية الممثلة الأمريكية سالي فيلد. وأحرزت بسببه أول جائزة أوسكار في مسيرتها الفنية. والفيلم نفسه صار علامة بارزة في قائمة الأفلام التي تعالج مشكلات العمال. وظروف العمل. وكفاح هذه الفئة من أجل ظروف معيشية وإنسانية أفضل. ويسعي بهذه المناسبة إلي أن يدعم إقامة الاتحادات العمالية. والدور الحيوي الذي تلعبه هذه الاتحادات. هذا بطبيعة الحال إذا ما خلت من الفساد. ولم تنحرف عن أهدافها. أو يتم استغلالها لحساب أصحاب رءوس الأموال. أصحاب المصانع.. والكلام الأخير من عندي".
وفيلم "نورما راي" نموذج للعمل الهادف والموجه. ومثل النسبة الأكبر من أفلام هوليود يتضمن شخصية يهودية إيجابية وفعالة. هي شخصية "روبين" خبير الاتحادات العمالية الذي يلعب دوره الممثل الأمريكي رون ليبمان. وفي نفس الوقت عمل يحقق الهدف الأول لوسيط الفيلم. ألا وهو تحقيق التسلية والإمتاع للمتفرج. ولعل أفضل ما فيه عنصر المصداقية. فمنذ الوهلة الأولي تشعر وتقتنع بصدق ما تراه من خلال الجو العام. الذي يبعث روح البيئة الاجتماعية خارج دوافع المصنع. وشخصيات وأسلوب أداء العاملين فيه. وبالذات قوة أداء البطلة الرئيسية بعلاقاتها المضطربة. وتوقها كامرأة إلي الارتباط برجل يمنحها الشعور بالأمان. وتثق فيه كرجل بإمكانه الوقوف إلي جانبها والاقتناع بها.. أيضاً شخصية خطيبها "بوسترجنر".
مخرج الفيلم مارتن ريت. "مواليد 1914 - 1990" يعتبر من أفضل المخرجين الأمريكيين ومن أكثرهم حساسية وقدرة علي إدارة الممثل. فقد كان هو نفسه ممثلاً سينمائياً ومسرحياً. ولديه من ثم قدرة علي سبر أغوار الشخصيات وتوجيههم. وفق رؤية إنسانية.. وقد كان ضمن القائمة السوداء إبان فترة المكارثية. وذلك بسبب دعمه للقضايا التي تشير إلي ميوله الشيوعية حسب وجهة نظر لجنة النشاط غير الأمريكي. فهو من صُناع الفيلم المهتمين بالقضايا الإنسانية الخاصة بالمقهورين مادياًہ وعنصرياً. وغير المحظوظين في المجتمع الأمريكي.