المساء
محمد جبريل
أسئلة
عرفت من أحياء القاهرة وشوارعها وبيوتها- في محنة المرض- مالم أكن رأيته خلال ما يزيد علي الخمسين عاماً. زرت الكثير من العيادات والمراكز الطبية والمستشفيات. أحاطني الصديق د. محمد صابر عرب وزير الثقافة الاسبق بأخوته الجميلة. كان اتصاله الهاتفي يتكرر في اليوم الواحد أكثر من مرة. دلني علي عيادات ومراكز طبية. ونصح- قبل إجراء العملية الفاشلة- بعدم اجرائها.
زرت الطبيب العالي المكانة- بالحاح الالم- في عيادته. بدد تفاؤله ما كان في نفسي من مشاعر الاحباط ورفض الالم. ألم متواصل رافق تقضي اللحظات بصورة قاسية. شخص الطبيب الحالة بأن الغضروف أجاد خنق النخاع الشوكي. أشار بعملية تنزع حصار الغضروف. فيزول الالم. حدد علي الورق خمسة عشر يوماً بعد إجراء العملية. أتحرك خلالها في البيت. ثم أنزل الطريق بعد ان يزول ما أعانيه. وأعود إلي مألوف حياتي.
جاوزت الايام وعد الاسبوعين. أكتم الالم بتعاطي الادوية المسكنة. وعكست العملية فشلها في فقدان القدرة علي الحركة ومرافقة العصا الحديدية لخطواتي. أضاف إلي الالم زهقي من القعود في البيت والاعتماد علي العصا في حضور الندوات والمؤتمرات. والافادة من نعمة التكنولوجيا في إرسال ما أكتبه إلي الجريدة. وتلقي رسائل الاصدقاء في البريد الالكتروني وتناسيت قراراً لمجلس الوزراء- سعدت بمفاجأته لي حين نشر في الصحف- بالعلاج في الخارج علي نفقة الدولة. عرفت- بانقضاء الايام- أن القرار المفاجأة جزء من الروتين الحكومي. لا يفرق بين خطورة الحالة وتفاهتها لكنني لقيت من اهتمام الاصدقاء ما لم أتصوره. دافعت كتابات لمن تربطني بهم صداقة أو زمالة. عن حقي في العلاج. مئات المقالات وجدت فيها ما يعزي عن توطن الالم جسدي.
آخر طبيب زرت عيادته طلب ان أجري فحصاً شاملاً. دفعت ثلاثة آلاف جنيه. ودفع مشروع العلاج في نقابة الصحفيين ضعفي المبلغ.
قرأ الطبيب نتائج التحاليل جيداً. وأطال تأمل الاشعة. ثم أعاد ما اقتحم أذني من أطباء آخرين: العملية الفاشلة جعلت تثبيت العظام صعبة!
هل أحيا أيامي المتبقية مقيد الحركة؟ هل أتجاهل تحذيرات الاطباء من تدهور الحالة الصحية؟ هل يقتصر اتصالي بالجريدة علي الهاتف والانترنت ؟ هل أكتفي في تواصل صداقاتي بالزيارات الشخصية واللقاءات المتباعدة في الندوات ؟ هل أكتم ما بذهني من رؤي وأفكار؟ هل تغيب عن حياتي قيم العيش بين الناس والمشاركة والتعاطف؟
أسئلة تحاصرني في حبسة الجدران. أعجز عن تصور ملامح أجوبتها في ما تبقي من العمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف