عندما كنت أحضر مؤتمر الشباب فى الإسماعيلية حدث أن وقف الفريق مهاب مميش ليتحدث عن تطوير قناة السويس. القناة القديمة والقناة الجديدة ومشروع التطوير. كتبت أعلى الصفحة المفتوحة أمامى من الأجندة التى أحرص على اصطحابها مع القلم لأى اجتماع أو مؤتمر أو فعالية أحضرها. كتبت:
- أين أحمد درويش؟!.
كانت الكتابة موجهة للجالس بجواري. قرأها ثم لم يعلق. لفت نظرى غيابه. وقيام مهاب مميش بشرح المشروع الماضى والحالى والمحتمل. ثم تاه الموضوع من ذاكرتى مع مرور الأيام وما أكثر ما يرد على الذاكرة من تطورات يمحو بعضها بعضاً. ويطرد الجديد القديم.
إلى أن صدر القرار بتعيين الفريق مهاب مميش مسئولاً عن مشروع تطوير محور قناة السويس الأحد قبل الماضي. لم يكن هناك نص على عزل أحمد درويش. أو إعفائه من عمله. أو أى كلام عنه. وكأنه لم يكن موجوداً. أو كان موجوداً ولم يعد له وجود. ثم خرجت علينا جريدة الدستور التى يرأس تحريرها الدكتور محمد الباز، وقالت إن أحمد درويش مرشح لمنصب دولي.
سألت نفسى إن كان هذا صحيحا، فلماذا لم يعلن وقت إسناد عمله لمسئول آخر؟! فالترشيح للعمل فى جهة دولية مسألة مهمة. ويجب أن تؤخذ بقدر من الجدية. وعلينا أن ننظر لمن يقوم بها على أنه فى مهمة باسم مصر فى الخارج. وهذا يضاعف من دوره ويجعلنا نمتن له وننظر لما يقوم به – إن أجاده – باعتباره خدمة للوطن.
أعترف باعتراف ليس جديداً، وليست المرة الأولى الذى أكتبه. أن كاتب هذا الكلام مدمن قراءة صحف. الصحف الورقية. إدمان لذيذ وجميل. أتمنى لو قللت منه. أو لو أن الله سبحانه وتعالى شفانى منه. أعتبر أن متابعة الصحف كل صباح جزءٌ ليس من عملى ولا اهتماماتي. ولكنها إثبات – لنفسى قبل الآخرين – أننى ما زلت حياً. أتذكر بيت شعر للعظيم الراحل صلاح عبد الصبور:
- ما زلت حياً فرحتي.
وكتبت جريدة الفجر، التى أسسها عادل حمودة، وترأس تحريرها منال لاشين: التقرير السرى الذى أطاح بأحمد درويش. 17 سيارة، 19 سفرية، 7 موظفين محظوظين، وعقد استشارات لشركة ابنه مع الهيئة. وفى متن الخبر:
- فوجئ أحمد درويش، رئيس هيئة المنطقة الصناعية بقناة السويس بقرار الرئيس السيسي، بإقالته وخلافة الفريق مهاب مميش له. والقرار ضمن لمميش الاستمرار فى منصبه كرئيس لهيئة قناة السويس. مع تكليفه برئاسة الهيئة العامة بالمنطقة الاقتصادية للقناة بدرجة وزير لمدة عام. وتعيين محفوظ مرزوق نائباً له. وباقى الخبر الذى وقعه عبد الرحمن سليم يتحدث عن تجاوزات أحمد درويش خلال فترة توليه رئاسة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس.
وفى صباح اليوم التالى كتبت جريدة صوت الأمة التى يرأس تحريرها عبد الحليم قنديل، ويتولى رئاسة التحرير التنفيذية عادل السنهوري: تفرغ لانتقاد الدولة، واعتبر أن محاربة الإرهاب فى سيناء تعوق المنطقة. خطايا أحمد درويش فى قناة السويس. وفى متن الخبر الذى كتبه السعيد حامد:
يسند التقرير الكلام للدكتور أحمد الشامى أستاذ الاقتصاد والنقل البحرى الذى يقول إن درويش لا يمتلك الخبرة الكافية لهذا المنصب مقارنة بالفريق مهاب مميش. وأنه كان غير مناسب للمكان، ويفتقد الكاريزما والعلاقات القوية التى يتمتع بها مميش.
لا أريد الاستطراد أكثر من هذا. ومن يبحث عن التوسع لديه التقريران. لكنى توقفت أمام الأمر لأناقش مسألة ألا وهى صمت الدولة عندما تعفى مسئولاً عن منصبه. لا أقصد الفضائح الشخصية ولا السلوكيات الخاصة ولكن التقييم اليومى لأدائه. لكن عندما يبعد مسئول عن منصبه. من حقنا أن نعرف لماذا يبعد؟. وكان من الأولى والأجدر أن نعرف لماذا جيء به؟ وعلى أى أساس تم اختياره؟.
نتحدث لدرجة أن صدَّعنا أنفسنا بالكلام عن الشفافية وعن حق الناس المقدس فى أن تعرف كل ما يمس مصالح الوطن العليا. وما يقترب من مصالحها اليومية. ومن حياتها الآنية. هذا حق وليس منحة. تمنحها أى سلطة للناس. أيضاً لا بد من الاعتراف بأننا نعيش فى زمن مغسول من الأسرار. مبرأ من الخفايا. فكل ما يحدث نعرفه إن عاجلاً أو آجلاً.
لا يقل لى أحد إن الحكومة ماضية فى عملها. وأنها ربما لم تكن معنية بالرد على ما يثار. وأن الناطق الرسمى لدى أى جهة فى الدولة المصرية ابتداء من مؤسسة الرئاسة وانتهاء عند أى وزارة من الوزارات مروراً بمجلس الوزراء يبلغ الناس ما يطلب منه إبلاغه. ولا يقول من عندياته أى شيء.
لماذا التزمت الدولة المصرية وفى المقدمة منها الحكومة الصمت التام إزاء إعفاء أحمد درويش حتى لو كان هناك خطأ فى اختياره؟. أو أخطاء فى عمله. فمن حق الناس أن تعرف. وليس فى هذا أى تشهير به. ولا خروج على عرف ولا مبدأ أخلاقى ولا قيمة من القيم التى نحب أن نحرص عليها وأن نتمسك بها فى مواجهة الآخرين.
لا أحب أن يكون ما كتب من أن انتقادات أحمد درويش للدولة أو لأدائها السبب فى إقالته. ولا أعتقد أن هذا هو السبب. لأن آراء الإنسان من حقه وحده أن يقولها ويعبر عنها فى إطار المجتمع المصرى الراهن. يتساوى المؤيد والمعارض فى حقهما فى إبداء آرائهما على أرض بلادنا.
إن كانت هناك تجاوزات إدارية فلماذا لا يتم التحقيق معه حتى لو كان من ذوى الحصانات، أو لو كان من أصحاب المناصب التى لا توجد قوانين تنظم التحقيق معها. لا بد من وجود حل ما فى إطار دولة القانون التى لا بد أن نحرص عليها بدلاً من قرارات تتخذ ثم يترك للأشقاء للزملاء والإعلاميين كتابة أو قول ما يصل إليهم أو ما يؤكد لديهم من أنه سبب هذا القرار أو ذاك.
بقى أن أكتب: لديَّ تجربة شخصية. شاركت أحمد درويش عندما كان وزيراً فى الزمن الأسبق فى برنامج إذاعى رمضاني. وخرجت بعد ساعتين بانطباع لن أدونه. لا أحب الكتابة السلبية عمن تركوا مواقعهم.