"هل سنأخذ زماننا وزمان غيرنا".. أطلق هذه العبارة المستفزة في وجهي كطلقة الرصاص.. فمحدثي في أواخر العقد الخامس من العمر.. وهو يؤمن بأن الدخول في خمسينيات العمر يعني بداية العد التنازلي.
محدثي "المكتئب" ليس حالة فردية خاصة.. ففي مجتمعاتنا العربية يعتبر الكثيرون أن بلوغ سن الخمسين يعني بداية المشاكل الصحية.. بدءا من ظهور الصلع والشيب.. وانتهاء بأعراض الشيخوخة المبكرة.
وحتي وقت قريب كان مثل هذا الشعور السلبي يصنف ضمن اضطرابات الشخصية التي لا تصل إلي حد المرض النفسي أو العصبي.. ولكن الأبحاث العديدة التي تناولت هذا الشعور الاكتئابي الذي يداهم "الخمسينيين" مصحوباً بأعراض الفتور الجنسي والخمول وتراجع القدرات الذهنية والإحساس المستمر بالإعياء والرغبة في النوم.. كشفت الحقيقة المؤلمة التي أزعجت الذكور وأسعدت الإناث.. وهي أن الرجل يتعرض لما يمكن أن نطلق عليه سن اليأس الذكري.
صديقي الخمسيني المكتئب والذي حاول جاهداً أن ينقل إلي اكتئابه.. ينسي أو يتناسي أو هو لا يعلم.. أن التاريخ يذكر لنا أن عدداً كبيراً من المبدعين الذين اثروا الفكر الإنساني وحققوا انجازات هائلة ووصلوا إلي ذروة الإبداع والعطاء في مراحل متقدمة جداً من العمر.. وهو ما يفند علمياً مقولة العد التنازلي.
سوفوكليس كتب الإلياذة وهو في سن المائة.. فيردي وضع أروع موسيقاه وهو في سن الثمانين.. جوته اختتم كتابه "فاوست" في سن الثانية والثمانين.. وتمني فيكتور هوجو في عيد ميلاده الثمانين.. أن يعيش ثمانين عاماً أخري ليستمتع بهذه المرحلة من عمره أكثر وأكثر.. توليستوي كتب اعترافاته في سن الخامسة والسبعين.. اينشتاين وبرنارد شو عاشا حياة حافلة بالعطاء العلمي والإبداع الفلسفي والأدبي حتي آخر العمر.. فالاستمتاع بالحياة والإبداع والعطاء.. لا تعرف الشيخوخة ولا تتوقف عند مرحلة سنية محددة.
الدراسات الحديثة أثبتت أن التعويض الهرموني للأشخاص الذين يعانون من انخفاض نسبة الهرمون الذكري. يعالج أعراض الخمول والتراجع في القدرات الذهنية والمشاعر الاكتئابية. وهذا مرهون بالطبع بقبول الرجل لفكرة سن اليأس والتي قد تصطدم عند الأغلبية بمشاعر الفحولة التي لا ينال منها أو لا ينبغي أن ينال منها الزمن.
هل يتقبل صديقي الذي أطلق مقولة "زماننا وزمان غيرنا" هذه الفكرة.. هل يقبل الخضوع لفحص طبي لتقييم هرموناته الذكرية وتعويض الناقص منها ليستعيد نشاطه وحيويته وإقباله علي الحياة.. عندما عرضت عليه الأمر قال ساخراً: هل سنأخذ زماننا وزمان غيرنا".. وتركني وانصرف.. وتلك هي المشكلة.