الجمهورية
صالح ابراهيم
تصنيع الدواء.. عدالة اجتماعية
** ربما إلي وقت قريب.. كانت الشكوي الأولي من مرضي المستشفيات الحكومية تتمثل بعد الوصول إلي الطبيب المعالج والتأكد من تواجده في المكان.. تتمثل في صرف الدواء المناسب لحالته.. بدلاً من نهر السلفا ومزيج الحديد والروافد.. يحملهما المريض في كيس ورقي وزجاجة سمراء.. ينتظر الشفاء.. إلا من يستطيع الذهاب إلي العيادة الخاصة أو الخيرية.. ويستطيع الانفاق علي ترف التحليلات والأشعات.. يخرج فرحا بروشتة الطبيب إلي الصيدلي يفك رموزها.. ويدفع ثمن الدواء المدون بها.. يحيط به الأمل في الشفاء.. بالتزام التعليمات حتي موعد الاستشارة عائداً إلي أسرته بالتحسن المأمول.. وعند العودة للعمل يحتفظ المريض السابق في ذاكرته بأدق التفاصيل.. ليتحول إلي طبيب مؤقت يشخص الداء ويصف الدواء لصديق أو زميل.
** تم تغيير الأمر بتطوير الصيدليات بالمستشفيات والوحدات الصحية الحكومية.. ليصلها "كوتة" من الأدوية المختلفة "تحت الاسم العلمي غالباً" بعد اعتماد نظام العلاج علي نفقة الدولة ليغطي الدواء والتدخل الجراحي.. وأيضاً مع التوسع في منظومة التأمين الصحي.. وامتداد تعاملها إلي الملايين من موظفي الدولة وأصحاب المعاشات.. وبدأت صرف الأدوية في عبوات خاصة بها.. وكان من الطبيعي أن يصاحب هذه الخطوات المهمة.. التوسع في إنشاء المصانع المحلية لإنتاج الدواء.. والترخيص لها بذلك من الهيئات العلمية والعالمية ذات العلاقة. بالإضافة إلي دخول رجال الأعمال مجال الاستمرار المباشر للأدوية غالية الثمن والتي تجد زبائنها بين الراغبين في الشفاء كما استقطبت المصانع المحلية جهود علماء وشباب الباحثين واستضافتهم في معامل أبحاث مجهزة.. نجحت في إضافات فعالة حازت علي ثقة الجميع.
** ومع الحملات القومية للوقاية من أمراض معينة ولقاحات مطلوبة للصغار قبل الكبار.. عرفت البلاد مصانع هيئة المصل واللقاح "فاكسيرا" التي قدمت أمصالاً ولقاحات في جميع الاتجاهات.. مثل المستخدمة في درء خطر شلل الأطفال والحصبة والتطعيمات الأخري وصولاً إلي أنفلونزا الطيور والخنازير وجرعات الكلاب المسعورة.. وكان لابد أن تتنوع هذه الأدوية واللقاحات والاحتياجات في ضوء اكتشاف أمراض جديدة تصيب بكثافة المصريين "فيروس "سي" السكر الأورام".. بالإضافة إلي أمراض القلب والجهاز الهضمي وغير ذلك من الأساسيات التي تبعها إنشاء مراكز قومية للعلاج والتسجيل والتشخيص بدءاً من الكبد والمرارة وأمراض المعدة والقلب المفتوح والأورام التي هاجمت كل سنتيمتر من الجسد تقريباً.. ونشطت علاجاتها بالتعاون والتنسيق مع المراكز العالمية ومن أبرزها مركز "روسي" في باريس.. وبات المريض يعود من فرنسا.. بعد الكشف والتشخيص مصحوباً ببروتوكول العلاج.. وسعت الدولة مشكورة لتوفير هذه الاحتياجات الحيوية.. كما شجعت المراكز التخصصية والمستشفيات الحديثة التي بناها القطاع الخاص.. ووجهها المجتمع إلي أبعد نقاط الحياة "من الإسكندرية إلي أسوان مروراً بمدن صغيرة توجتها أعلام مرفوعة لهذه المنشآت وهامات شامخة للعاملين".
وعلي أية حال.. بعيداً عما اقترحته الدستور من نسبة للانفاق الحكومي علي الصحة.. نري تسارعا في نشاط المواجهة والاقتحام.. يتضمن التصدي بقوة إلي الأمراض الخطيرة.. لاستئصالها خلال فترة محددة من الزمن سواء بالالتزام الحكومي المباشر أو صندوق تحيا مصر.. أو المجتمع المدني.. وبدأنا بالتصدي المنظم لمرض فيروس "سي" المهاجم الخطير للكبد.. وحصر جميع المصريين المصابين به.. مع تحليلات شاملة تحدد أساس العلاج علي نفقة الدولة غالباً.. وصاحب ذلك ادخال أحدث الأدوية وأكثرها فاعلية بإنتاجها وأجيالها المتطورة محلياً وبأسعار معقولة.. واحتفلنا بالفعل بأول قريتين خاليتين من الفيروس بحضور مسئول الصحة العالمية ونأمل إنجاز المهمة.. وإضافتها إلي سجل مصر الإيجابي والحضاري خلال عامين.
** اليوم تتجه الحكومة إلي الأمام بخطوة إنشاء أول مصنع محلي لأدوية الأورام في مجمع فاكسيرا بأكتوبر.. وكما قال وزير الصحة عقب توقيع البروتوكول.. المصنع سينتج خلال عامين حوالي 100 صنف من الأشكال الدوائية.. تم اختيارها بالتنسيق مع اللجنة العليا للأورام لتغطية العجز في بعضها.. وتوفيرها للمواطن بأسعار مناسبة.. مع توفير العملة الصعبة التي تنفق علي استيرادها وحيث يدور الاستيراد حالياً حول نسبة 95%.. الاختيار راعي النواقص بالسوق والمنتجات الأقل في الاستخدام وتوصيات لجنة الأورام بوزارة الصحة.. انه يؤكد بوضوح حرص الدولة علي توفير الأدوية الحيوية للمواطنين بأسعار مناسبة.. مع النهوض بشكل عام بصناعة الدواء.. وتوفير العلاج المناسب.. وهنا تكتمل المنظومة بوجود المراكز العلاجية المجهزة والأطباء المتخصصين ثم قوائم الأدوية المطلوبة للتصدي للحالات.. والفائدة تعود علي المواطن المريض الذي يستعيد قوته بإذن الله.. ويعود بسواعد مخلصة إلي مجال الإنتاج والخدمات وموقعه في منظومة التنمية.. وإعلاء الوجه الحقيقي للعدالة الاجتماعية بالمساهمة الاجتماعية والمبادرات.. وانضمام الجميع لقاطرة التوعية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف