هذا التخوف الذى يملأ مقالات الجرائد العربية جراء فوز السيدة لوبان فى الانتخابات الفرنسية يبدو مدهشاً وكأننا أكثر معرفة وحرصاً على مستقبل وتوجهات السياسات الفرنسية أو الأوروبية... فمن يتحفظ على اختطاف الديمقراطية ومن يجود بالدمع فى مواجهة العنصرية والشعبوية... ومن ينزف دماً لأجل أن تبقى فرنسا مهداً للحريات وقبول الآخر والتنوع...!!
< ولاشك أن السياسات التى تبناها رؤساء جاوءا من أصول تقدمية منحازة للناس مثل بلير أو هولاند أو أوباما انحازوا فيها لمعانٍ مطلقة فى الحريات أو المرأة أو ضد العنصرية... إلخ.
وانحازوا أيضاً بشكل عكسي لمطالب الفئات الأكثر فقراً لصالح تجمعات ومصالح مالية مما انعكس على أوضاع فئات واسعة فى ظل حدود مفتوحة فى أوروبا وعمالة مهاجرة متنقلة واعتداءات إرهابية كشفت مشهد المعاناة لتلك الفئات والقطاعات الواسعة ولعل ما قاله بلير فى أعقاب انتخابه «إن انتخابه كان تصويتاً على المستقبل وليس لأيدلوجية وعقيدة تخطاهما الزمن».. فيه التوضيح الكافى لتلك الانحيازات التى خلقت الأحداث المنفجرة فى انتخاب ترامب والبركسيت الإنجليزية.
< إيمانويل ما كرون المرشح الأكثر اقتراباً من الفوز والأصغر عمراً بين الرؤساء القادمين للإليزيه فى حالة نجاحه «39 سنة» يشكل بالطبع استفزازاً بالغاً لعالمنا العربى الراقد فى محنطات بيلوجية فاجعة...انتسب للحزب الاشتراكى فى 2006 حينما كان يعمل مفتشا للمالية والتحق بلجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية داعمة للاقتصاد تحت رئاسة جاك أتالى مستشار ميتران... وفى 2012 التحق مستشاراً مالياً لهولاند الذى عينه وزيراً للاقتصاد فى 2014.. استقال فى 2016 ليقود حركة الى الأمام التى أنشأها من خلال أربعة آلاف شاب من مناصريه الذين التحقوا به عبر وسائل الاتصال الاجتماعى وسماهم السائرين... إذن ساروا فى شوارع القرى والمدن وأجروا 100 ألف مقابلة مع الناس العاديين وخضعت نتائج تلك المقابلات لأحدث تقنيات تجميع البيانات والاحصاءات وعلى أساسها بنى ماكرون برنامجه الانتخابى فكان تعبيرا جديدا لدينامية سياسية مبتكرة.
< لم يقل ماكرون إنه يسارى أبداً ويشدد على اتباعه خطاً جديداً وانه يحمل أفكاراً يسارية ويمينية وتميل سياساته الاقتصادية الى نزعة ليبرالية يمينية... وقع ماكرون فى غرام مدرسة للغة الفرنسية وهو لم يتجاوز «16» عاما السيدة برجيت تروينو والتى تكبره بـ24 عاماً وتزوجها منذ عشرة أعوام وقد لعبت زوجته دوراً أساسياُ فى تألقه على الصعيد المهنى أو السياسى وتقود ابنتها الصغرى من زواج سابق حملة ماكرون الانتخابية...!!
<> أما مارين لوبان المرشحة المنافسة فهى ابنة مؤسس حزب الجبهة الوطنية ومنذ توليها رئاسة الحزب تبذل قصارى جهدها لتحسين صورته بعد والدها الذى فصلته من الحزب... وفى محاولتها لتحسين صورتها صرحت «سوف أكون رئيسة للبلاد تحمى أبناء الشعب الفرنسى بغض النظر عن أصولهم» وبالطبع هى تصر على أن فرنسا تواجه خطر الهجرة والإرهاب والتضليل الثقافى وتهاجم العولمة وتدافع عن الثقافة الفرنسية وتدعو لاستفتاء حول بقاء فرنسا بالاتحاد الأوروبى... وقد خاضت الانتخابات الرئاسية فى 2012 فحلت فى المركز الثالث بنسبة 18٪ واليوم تأتى فى المركز الثانى بـ22٪... لوبان تتهم ماكرون بأنه رجل البنوك والجماعات المالية وتقول إذا لم يتم انتخابى فسوف ينتخبون ميركل فى إشارة الى التعاون بين ماكرون وميركل ودعمه للاتحاد الأوروبى...!!
< ينظر الفرنسيون بحيرة لصندوق الانتخاب بين اليمين المتطرف على صعيد القومية وأفكار التسامح والتعددية وأيضاً لا يشعر بارتياح تجاه هيمنة أصحاب المصالح الاقتصادية وماكرون الذى تقوده زوجته التى قد تصبح المرشد العام الجديد للرئيس الفرنسى.... تلك هى فرنسا بلد العجائب من هولاند الذى لم يتزوج أبداً وانفصل عن رفيقته مسيجولين رويال والتى كانت فى قلب معركتها الرئاسية فى 2007 وارتبط بالصحافية فاليرى تريفلير ثم بالممثلة غاييه... إلى ميتران وساركوزى ومغامرتهما النسائية... الى ماكرون الذى قد يأتى ومعه زوجته ومدرسته التى تكبره بقرابة ربع قرن.