أحمد بان
حركة حماس وميثاقها الوطنى الجديد
اهتمت صحف القاهرة والعالم لا شك بخبر إعلان تعديل الميثاق الأساسى لحركة حماس، بين من اعتبر الميثاق الجديد تحولا نوعيا حاول البعض أن يختزله فى التأثير المصرى فى شقه الإخوانى والرسمى، أو اعتبره شكلا من أشكال التفاعل مع جملة التطورات السياسية التى ضربت المنطقة والعالم، يبقى تأمل بنود هذا الميثاق مهما فى فهم مآلات حركة يعتقد البعض أنها حركة مقاومة وطنية ذات جذور إسلامية، ويعتقدها البعض ذراعا عسكرية لجماعة الإخوان المسلمين، ويتهمها بالمشاركة فى العديد من الحوادث التى ضربت مصر فيما بعد ثورة يناير. بعيدا عن كل ذلك يبقى التأمل الهادئ فى بنود الوثيقة بمعزل عن تلك التفسيرات مهما فى استشراف مستقبل الحركة. طرحت الوثيقة معانى جيدة تعكس تطورا نسبيا فى الرؤية والخطاب، والتى ربما تأخرت بفعل فروق التوقيت لأكثر من عشر سنوات فى رأى المراقبين، من أهم تلك البنود اللافتة أنها أكدت وطنية وخط المقاومة والمرجعية الإسلامية العامة، فى مقابل الوثيقة القديمة التى كانت تحفل بشعارات زاعقة وأوهام أيديولوجية تحلق فى الفراغ، وتحمل صبغة قداسة أثبتت التجارب المتتالية عدم نجاحها فى إنجاز ما يسمى مشروع الدولة الإسلامية المتوهمة، التى هى مرحلة من مراحل مشروع البنا الذى ينتهى بما يسمى أستاذية العالم. على مستوى الواقعية السياسية فتحت الوثيقة مجالا لهدف سياسى يبدو معقولا إقليميا ودوليا، وهو القبول ولو مرحليا بدولة على حدود 5 يونيو 1967، دون التخلى عن الحق التاريخى المقدس فى كامل التراب الفلسطينى مع عدم الاعتراف بإسرائيل (شخصيا لا أفهم كيف سينجح ذلك). اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل السياسى للقضية، بعد تعديل تركيبة المنظمة لتضم تمثيلا أوسع للطيف الفلسطينى ومنه حماس، مقابل التصادم الواضح والأيديولوجيا غير الناضجة فى نص الميثاق السابق أمر جيد وإن أتى متأخرا أيضا. الفصل الحاسم بين المسألة اليهودية والصهيونية كانت خطوة شجاعة، حيث كانت تلك النقطة من عيوب الميثاق السابق، وأظن أن الفضل يعود فى تعديله لتنظيم داعش وسلوكه الإجرامى، الذى جسده فى الحديث باسم الدين وإطلاقه لحرب مقدسة تحت راية الأديان، إضافة لا شك إلى النضج الأيديولوجى والأخلاقى للحركة. نأتى لمسألة تأكيد الانفصال التنظيمى مع جماعة الإخوان التى حرصت الحركة على أن تقصرها على الجانب التنظيمى دون الفكرى أو الأيديولوجى، وهو ما يعيدنا إلى الخطاب المزدوج الذى وسم الجماعة ورموزها تاريخيا، بين فقه شفهى متداول بين القيادة والأعضاء وفقه مكتوب تعرفه الكافة، الأمر المؤكد أنه ستبقى الرابطة التنظيمية فى إطار سرى اعتادته الحركة وأصبح أهم سماتها. من عيوب الوثيقة أنها لم تحرر موقف الحركة من مسألة الإرهاب واستهداف المدنيين، وهى نقطة هامة لحركة تتحدث عن رسالتها من جهة، كما أنها حتى بالباعث البراجماتى تبقى الأساس اللازم لتحسين صورة الحركة دوليا، فضلا عن ضرورة ذلك فى المساعدة على وضع إطار رؤية إستراتيجية للمقاومة ومراحلها، خصوصا فى ظل المأزق الوطنى والإستراتيجى الحاصل من استمرار إمارة غزة والانقسام الوطنى الذى خلفته المسارت التى اختارتها حماس بعد 2006.
المشكلة الأخرى هى ما يمكن أن تكشفه الوثيقة من نيات ودوافع وآثار، قد لا تستقيم مع الحس الوطنى والرسالى. مسألة تعديل الخطاب بحد ذاتها ليخرج من أسوار الأيديولوجيا الإقصائية التصفوية والكلية غير المنضبطة بقواعد الشرع، وتمييزه عن خيارات البشر ومخاصمته للواقع هى خطوة حصلت فى حماس على مدى السنين بشكل تسارع حينًا وتباطأ حينًا، ولكن بقى الميثاق يمثل تناقضًا وعبئًا حتى فى مسألة الإخوان، مثلا كان يلح فى السابق على غير الحقيقة طويلا على الانفصال التنظيمى وإن كانوا داخليا لهدف الحشد يقولون الحقيقة بل ويبالغون فيها أحيانا، لهذا كان هذا التعديل واجبا تأخر كثيرا. حماس وفقا لمراقبين كان من الممكن أن تعيد تعديل الميثاق فى أواخر التسعينيات بعد دخولها فى خط العملية السياسية فى 2005. فكرة وضع هدف سياسى مرحلى ومناسب بمعيار القانون الدولى ومتغيرات الإقليم والعالم أمر جيد لا شك، حيث يمكن التحرك الإستراتيجى لتحقيقه أو استخدامه كخطاب سياسى ضمن إستراتيجة مقاومة، ولكن الوثيقة سكتت عن قابلية تحقيقه إستراتيجيا إلا من حديث عام عن أصالة المقاومة والحفاظ على سلاحها، والمشكلة تكمن فيما يختبئ خلف ذلك من نيات وما يعقبه من أثر. السؤال يبقى لماذا الآن أقدمت حماس على تعديل الميثاق؟ ربما بسبب الرغبة فى التخلص من الضغط الدولى والإقليمى والمصرى لخصوصية الحالة المصرية دون مبالغة، فجاءت الفرصة لتسديد فاتورة حتمية التجديد فى المواقف حتى لو أتت متأخرة، وربما استباقا لماراثون عبثى فى ملفات التفاوض والتقارب العربى الخليجى مع إسرائيل، خصوصا فى مرحلة ترامب تريد أن تقدم حماس ربما تقدما إيجابيا للتصالح الداخلى وتطوير صورتها السياسية إقليميا ودوليا. هل نحن أمام محاولة تسويق حماس لتلحق بالماراثون التفاوضى؟ أظن أن هذا مستبعد، صحيح قد تقبل حماس بهدنة طويلة الأمد، بحيث تحافظ على حكمها فى غزة مع الانفصال عن الضفة ودعم المقاومة الشعبية كممارسة، مع عدم تفكيك البنية العسكرية فى إطار اندماج مع المنظمة للدخول فى مسار تفاوض هى تعلم قبل غيرها باستحالة الوصول من خلاله إلى أى صيغة مقبولة، فى إطار اندماج مع المنظمة للدخول فى مسار تفاوض هى تعلم قبل غيرها باستحالة الوصول من خلاله إلى أى صيغة مرضية، وربما كان هذا شقا مطلوبا فى مشروع الشرق الأوسط الإخوانى برعاية قطرية تركية مع الربيع العربى، لكنها تدرك جيدا أن الكثير من بنود وثيقتها الجديدة بل حتى الأدنى المقبول فى داخل الحركة وكوادرها، كمنتوج تفاوضى هو شديد التعارض مع أى صيغة جادة أو هزلية قد يطرحها ترامب أو يمكن التعايش معها فى الترتيب الإقليمى الجديد. أخيرًا بعد كل ما سبق هل حركت وثيقة حماس أو تقدر على تحريك المياه الراكدة؟ أشك كثيرا فى ذلك.