الوفد
عباس الطرابيلى
مأساة.. أم وسيلة للنصب؟
قد تكون القصة حقيقية.. وقد تكون «نصباية» يعني محاولة للنصب.. ولكن من كثرة ما تعرضت لها دعوني أشرحها لكم.. لأنها إن صحت كانت كارثة.. وإن لم تكن فإن راويها يصلح مؤلفاً درامياً يقدم لنا حكايته علي مسلسل رمضان.. والشهر الفضيل، علي الأبواب، الذي يراه البعض شهراً للمسلسلات التليفزيونية.
أنا من عشاق ركوب التاكسي، في كل مشاويري في القاهرة الكبري.. لأنها تقربني مما يشعر به الناس، والسائقون- من كثرة ما يرون من أفضل من ينقل لكم نبض الشارع.. وما يعيشه كل الناس.
الحكاية، علي لسان السائق، أنه يعاني من عجز عن تلبية طلبات أسرته.. فهو مطحون بين الوفاء بتقديم نصيب مالك التاكسي.. وبين الاستجابة للحد الأدني من طلبات أسرته، وله ابن تلميذ بالثالث الاعدادي يحتاج إلي دروس خصوصية، والمدرس المسيحي- للعلوم- تقبل تأخر استلام أجر الدروس.. بينما مدرس اللغة العربية المسلم رفض، وطرد ابنه من الدرس، وبكي الصبي وأقسم ألا يكمل تعليمه.. ولما كان للسائق شقيق مستريح مادياً، لجأ إليه طالباً قرضاً ليسدد أجور الدروس الخصوصية.. ولكن الشقيق رفض، رغم أن له تجارته وسيارته فقال الأب «السائق» سأذهب غداً إلي شارع عبدالعزيز لأبيع تليفوني المحمول فأقسم الابن انه لو فعل ذلك.. سوف يقاطعه.
<< وبكي السائق- وأنا بجواره من شدة «كسرة» ابنه والذل الذي شعر به وسط زملائه والمدرس يطرده من الحصة.. وأضاف أنه يعمل مضطراً إذ انه أجري عملية جراحية خطيرة في الفقرات ويضع أحياناً تلك الرقبة الصناعية حتي يستطيع أن يرفع رأسه.. وزاد بكاء السائق.. ماذا يفعل.. ليس فقط ليدفع لمالك التاكسي حقه اليومي.. ولكن ليدفع لزوجته 60 جنيهاً تدبر بها طعام الأسرة وليس معه إلا 40 جنيهاً بينما المطلوب لمالك التاكسي 130 جنيهاً؟!
<< الحكاية محبوكة.. والدموع تنساب من عيني السائق.. كلما صرخ: أعمل إيه أموت نفسي؟! خصوصاً بعد تخلي الشقيق عنه.. وبعد دفع تكاليف العملية الجراحية في الفقرات.. ويختتم كلماته: لن أستطيع أن أذهب للبيت دون تدبير أجور الدروس.. ولن أذهب لمالك السيارة.. وله في ذمتي نصيبه لعدة أيام وأخذ يشكو مر الشكوي من سائقي سيارات أوبر وكريم!
وشدتني الحكاية.. ولأنني كثيراً ما استمعت إلي مثيلاتها من أفواه أصحابها أو من ركاب يروون لي ما سبق أن سمعوه، أي أن الحكاية شائعة ومستمرة.. وأخذت كلمات السائق التي يرددها- وأنا بجواره- ماذا أفعل لأحفظ كرامة ابني تلميذ الثالث اعدادي.
<< وأخذت أهدئ من روعه- فنحن في نفق الأزهر! وأخذت أردد إن شاء الله ربنا يفرجها.. في محاولة لإرسال رسالة للسائق أن الله لن يتركه.
المهم.. كان المشوار كله حوالي 30 جنيهاً.. فدفعت إلي يده خمسين جنيهاً ودعوت له- ولابنه- بالتوفيق.
تري: هل القصة حقيقية.. وأنه مواطن يعجز عن تدبير احتياجات أسرته أم هي- كلها- حكاية هدفها الحصول علي بعض المال.. ولو من خلال الدموع.
<< وكان هدفي أن أصل إلي نهاية مشواري بأي طريقة.. ولكن مازلت أتساءل إن كانت القصة حقيقية فتلك هي المأساة.. وإن كانت عملية نصب- وما أكثرها- فهذا يعني أن البعض يلجأ إليها لابتزاز الركاب- ولو من خلال الدموع- ولا أعرف كم مرة استغل هذا السائق وغيره من يركب معه.. فهل أخطأت عندما أخذت أتحدث للسائق كعادتي.. وهل استغل السائق مظهري.. وهل القصة حقيقية أم هي من وسائل العصر للابتزاز.. إيه رأيكم.. دام فضلكم؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف